للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعلام بأن هؤلاء الذين يوردونها للاستشهاد بها لا يُعذرون، إلا من لم يُقصّر منهم في البحث والاجتهاد، فإنه إذا أخطأ بعد ذلك لم يكن ملومًا. انتهى المقصود من كلام الجزائريّ (١). وهو بحث نفيس جدّا. والله تعالى أعلم.

(إِذْ) تعليليّة أيضًا: أي لأنه (لَا يُؤْمَنُ) بالبناء للمفعول، من الأمن: ضدّ الخوف (عَلَى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ) بكسر الميم، من باب فَهِم (تِلْكَ الْأَخْبَارَ) بفتح الهمزة (أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا) بالبناء للفاعل: أي يعمل بجميع ما دلت عليه. قال في "القاموس": واستَعْمَله: عَمِل به. انتهى. وقال في "المصباح": واستعملت الثوبَ ونحوَه: أي أعملته فيما يُعَدّ له. انتهى. (أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا) أي يعمل ببعض ما دلّت عليه (وَلَعَلَّهَا) أي لعلّ جميعها (أَوْ أَكْثَرَهَا أَكَاذِيبُ) -بفتح الهمزة-: جمع أُكذُوبة بضمها، وهو الخبر الكاذب (٢). وقوله: (لَا أَصْلَ لَهَا) مؤكّد لما قبله.

قال النوويّ رحمه الله تعالى في "شرحه": قوله: "ولعلها أو أكثرها الخ" هكذا هو في الأصول المحقّقة من رواية الفُرَاويّ، عن الفارسيّ، عن الْجُلُوديّ. وذكر القاضي عياض أنه هكذا في رواية الفارسيّ، عن الْجُلُوديّ، وأنها الصواب، وأنه وقع في روايات شيوخهم، عن الْعُذْريّ، عن الرازيّ، عن الْجُلُوديّ: "وأقلّها، أو أكثرها". قال القاضي: وهذا مُختَلّ، مُصَحَّفٌ (٣). قال النوويّ: وهذا الذي قاله القاضي فيه نظر، ولا ينبغي أن يُحكَم بكونه تصحيفًا، فإن لهذه الرواية وجهًا في الجملة لمن تدبّرها. انتهى (٤).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن ما قاله القاضي، هو الصواب؛ إذ قوله: "وأقلها، أو أكثرها أكاذيب" غير مستقيم المعنى، وتأويله تكلّف بارد، فلا حاجة إليه مع وجود الرواية على المعنى الصحيح، فتبصّر. والله تعالى أعلم بالصواب.

ثم إنه لا حاجة إلى الأخبار الواهية؛ لأن الله أغنانا عنها بما صحّ لدينا من الأخبار، فقد أكمل لنا الدين بما أنزله في كتابه الكريم، وبما صحّ عن الذي قال الله عز وجل في حقّه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤]، قال الله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} الآية [الأنعام: ٣٨]، وقال: " {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية [النحل: ٤٤]، فقد بين مجمل الكتاب بما صحّ من أحاديثه، فلا مجال لذكر ما لم يصحّ عنه، كما أشار إليه المصنّف رحمه الله تعالى، بقوله:


(١) نقله في "فتح الملهم" ١/ ١٤٤.
(٢) راجع "المعجم الوسيط" ٢/ ٧٨١.
(٣) راجع "إكمال المعلم" ١/ ١٦٢ - ١٦٣.
(٤) راجع "شرح مسلم" ١/ ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>