للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مَعَ أَنَّ الْأَخْبَارَ) بفتح الهمزة: جمع خبر بمعنى الحديث (الصِّحَاحَ) بكسر الصاد المهملة: جمع صحيح، وهو: ما جمع الشروط التي اعتبرها العلماء في قبول خبر الآحاد، وقد بيّنها الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى، كما تقدم بيان كلامه في أوائل بهذا الشرح.

(مِنْ رِوَايَةِ الثّقَاتِ) جمع ثقة، كعِدَة وعِدات. قال الفيّوميّ: وَثِقتُ به أَثِقُ بكسرهما ثِقةً، ووُثُوقًا: ائتمنته، وهو، وهي، وهم، وهنّ ثِقَة، أي يطلق الثقة بلفظ واحد على المفرد، وضدّه، والمذكر، وضدّه؛ لأنه مصدرٌ، وقد يُجمع في الذكور والإناث، فيقال: ثقات، كما قيل: عِدَات. انتهى (١).

(وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ) -بفتح القاف، وتخفيف النون: أي أهل الرضى، يقال: قَنِعتُ به قَنَعًا، من باب تَعِب، وقَنَاعةً: رَضِيتُه. وهو مجرورٌ عطفًا على "الثقات". والمراد المرضيّون عند الجميع، كما قال الله عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} الآية [البقرة: ٢٨٢]. وهم العدول، كما قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الآية [الطلاق: ٢]. وقال النوويّ رحمه الله تعالى: قوله: "وأهل القناعة" هي: بفتح القاف: أي الذين يُقنع بحديثهم؛ لكمال حفظهم، وإتقانهم، وعدالتهم. انتهى (٢).

وقوله: (أَكْثَرُ) بالرفع خبر "أنّ" (مِنْ أَنْ يُضْطَرَّ) بالبناء للمفعول: أي يُلجأ، يقال: ضَرّه إلى كذا، واضطرّه بمعنى ألجأه إليه، وليس له منه بُدّ (٣) (إِلَى نَقْلِ) أي رواية (مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ) فإضافة "نقل" إلى "من" من إضافة المصدر إلى فاعله. والمعنى: إلى العمل بحديث من ليس ثقة (وَلَا مَقْنَعٍ) -بفتح الميم، والنون، بينهما قاف ساكنة-: موضِع القناعة، والرضى به. قال الفيّوميّ رحمه الله تعالى: هو شاهد مَقْنَعٌ، مثالُ جَعْفَر: أي يُقْنَعُ به، ويُستعمل بلفظ واحد مطلقًا. انتهى (٤).

ثم بيّن رحمه الله تعالى الباعث على رواية الأخبار الواهية، وهو حبّ المحمدة عند الناس، وهو مطلب ذميم، ومرتع وَخِيم، ومقصد خسيسٌ، ومطمح نجيس؛ {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} الآية [البقرة: ٦١]، فقال:

(وَلَا أَحْسِبُ) -بفتح السين، على القياس، وكسرها على السماع، قال الفيّوميّ: حَسِبت زيدًا قائمًا أَحْسَبه، من باب تَعِب في لغة جميع العرب، إلا بني كنانة، فإنهم يكسرون المضارع مع كسر الماضي أيضًا على غير قياس. انتهى. والمعنى: لا أظنّ (كَثِيرًا مِمَّنْ يُعَرِّجُ) بتشديد الراء، من التعريج، وهو الوقوف عند الشيء. يقال: ما


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٤٧.
(٢) "شرح مسلم" ١/ ١٢٤.
(٣) "المصباح" ٢/ ٣٦٠.
(٤) "المصباح" ٢/ ٥١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>