ثم قال تعالى:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} قوله: {قُلْ} يعني: يا محمد.
قوله:{إِنِّي أُمِرْتُ} أي: أمرني ربِّي، وهذه الصيغة تأتي بالبناء للمَجْهول؛ لأنَّ الفاعل معلومٌ، وهذا يُشْبِهُ حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - قال:"أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ"(١)؛ (أُمِرْتُ) لأنَّ الآمِرَ معلومٌ، وهو الله.
فقوله:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}، وجاءت بكلمة {أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ} للإشارة إلى مقامِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه عَبْدٌ يُؤْمَر ويُنْهَى، وليس له من حَقِّ الربوبِيَّة شَيءٌ.
وقوله:{أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ} أي: أتذَلَّلَ له، والعبادة تطلق على مَعْنيينِ:
المعنى الأول: التَّذَلُّل لله الذي هو فِعْل العابِدِ.
والمعنى الثاني: المُتَعَبَّد به، وهي العبادات على جميع أنواعها، وعلى هذا المعنى يكون تعريفُ شيخِ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ العبادةَ في قوله: "العبادةُ اسْمٌ جامِعٌ لكلِّ ما
(١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب لا يكف ثوبه في الصلاة، رقم (٨١٦)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب، رقم (٤٩٠)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.