ثم قال الله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} لمَّا بيَّن أنَّ تنزيل الكتاب من الله بيَّنَ إلى مَن أنزل؛ فقال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} يا محمدُ، {أَنْزَلْنَا} ضميرُ جَمْع، لكنه إذا كان عائدًا إلى الله فليس للجَمْع قطعًا بل هو للتَّعْظيم، وقد اشتبه على النصرانِيِّ مثلُ هذا الجمع، وقال: إنَّ الله ثالثُ ثلاثةٍ؛ لأنَّ الله تعالى يذكر الضَّميرَ عائدًا إليه بصيغة الجمع، وأقل الجمع ثلاثة!
فنقول في الرَّدِّ عليه: إنَّ هذا من زَيْغِ النَّصارى؛ {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: ٥]، فاتبعوا المتشابِهَ من القرآن، ولو أنهم ردوا هذا المتشابِهَ إلى المُحْكَم لعلموا أنهم مُخْطِئون غايَةَ الخطأ، وذلك أنَّ الله صرَّح في آياتٍ كثيرة بأنه إلهٌ واحِدٌ، فقال:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[البقرة: ١٦٣].
وهذا نصٌّ صريح مُحْكَم، وأما (نا) التي هي ضمير جَمْع فإنها في اللُّغَة العَربيَّة التي نزل بها القرآن صالِحةٌ للجمع وللمُعَظِّم نَفْسَه.
إِذَنْ: هي من المتشابِهِ؛ لأنَّ اللَّفْظ إذا احتمل مَعْنَيينِ فإنه يقال فيه متشابِهٌ، والمتشابه يجب أن يُرَدَّ إلى المُحْكَمِ.