قوله:{عَصَيْتُ} المعصية: المُخالَفَة، وتكون بأمْرَيْنِ: إمَّا بِتَرْكِ مَأْمورٍ وإمَّا بفِعْلِ مَحْظورٍ، هذا إذا أُفْرِدَتْ عن الطاعة، فإن قرنت بالطَّاعة صارت الطَّاعةُ فِعْلَ المأمور والمَعْصِيةُ ارتكابَ المَحْظورِ؛ وهنا:{عَصَيْتُ} مُفْرَدَة عن الطاعة، فتشمل المعْنَيَينِ: مُخالَفَته بفعل المنْهِيِّ عنه أو بِتَرْك المأمور به.
وفي قوله:{رَبِّي} إشارةٌ إلى أنه عَزَّ وَجَلَّ هو الذي له الأمْرُ والنَّهْيُ؛ لأنَّه ربٌّ، والرَّبُّ خالقٌ مالكٌ مدَبِّر.
وقوله:{عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} هو يومُ القيامة، ووصَفَهُ الله تعالى في القرآن الكريم بعِدَّة أوصاف؛ منها: العظيم؛ وذلك لشِدَّتِه وشِدَّة أهواله وشِدَّة ما يكون فيه، وإذا رأيت الأوصافَ، أو إذا سَمِعْتَ الأوصافَ التي ذكرها الله عَزَّ وَجَلَّ لهذا اليوم العظيم، فإنه - لا شَكَّ - يَعْتريكَ من الخوف بِقَدْرِ ما أنت مُؤْمِنٌ به؛ فكُلَّما كان الإنسان أقوى إيمانًا باليوْمِ الآخر فهو منه أشَدُّ خوفًا، وكُلَّما ضَعُفَ إيمانه باليوم الآخِرِ ضَعُفَ خَوْفُه منه.
ولهذا لدينا عبارة مأثورة: كُلُّ من كان بالله أَعْرَفَ كان منه أَخْوَفَ، وكُلُّ من كان أيضًا باليَوْمِ الآخِرِ أَعْرَفَ وأقوى إيمانًا كان أقوى إخافَةً.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّه ينبغي - بل يجب - على الرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أن يُعْلِنَ هذا الإعلانَ للمَلَأِ: أنَّه يَخافُ عذابَ يومٍ عظيمٍ إنْ عصَى الله؛ وفائدته: ما ذكَرْنا قبلَ قليلٍ مِن أجْل التأَسِّي به في ذلك، ومن أجْلِ بيان عَظَمَةِ الله وأنه مُسْتَحِقٌّ أن يخاف منه.