وقوله تعالى:{غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} هذا الوَصفُ سَلبي وليس ثُبوتيًّا، واعلَمْ أنه لا يُوجَد في أوصاف القُرآن ما هو سَلْبيٌّ مَحض؛ لأن السَّلبيَّ المَحْض ليس فيه مَدْح، بل كل شيءٍ وُصِف به القرآن على وجه النَّفيِ فإن ذلك لكمال ضِدَّه؛ ولا بُدَّ أن يَتضَمَّن الكَمال أيضًا في قوله تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص: ٣] لم يَلِد ولم يُولَد؛ لكَمال وحدانِيَّته.
فإذا قال تعالى:{غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} أي: لكَمال استِقامته، بَلْ قال الله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: ٩]، {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} فالقُرآن الكريم يَهدي للتي هي أَقومُ في أمور الدِّين وفي أمور الدُّنيا على وجهٍ ليس في اعوِجاج بوَجهٍ من الوُجوه؛ ولهذا قال تعالى:{غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي: لأَجْل أن يَتَّقوا، فبيَّن الله تعالى لنا بهذا القُرآنِ، وجعَله غيرَ ذي عِوَج من أَجْل تَقواه عَزَّ وَجَلَّ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: أن القُرآن عرَبيٌّ؛ أي: نازِلٌ بلُغة العرَب.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنه لا يُوجَد في القُرآن لفظٌ أَعجميٌّ؛ لأن الله تعالى وصَف القُرآن كلَّه بأنه عرَبيٌّ، وهذا يَقتَضي أن ليس فيه شيءٌ من لُغة العجَم، ولا شَكَّ أن هذا هو الواقِع، فليس في القُرآن لفظٌ أعجَميٌّ.
لكن اختَلَف العُلَماء المُفسِّرون رَحِمَهُم اللهُ وغيرهم: هل في القُرآن كلِمةٌ أَصلُها أَعجَميٌّ ثُم عُرِّبت؟
فمِنهم مَن يَقول: نعَمْ. ومنهم مَن يَقول: لا. فالذين قالوا: نعَمْ. قالوا: هناك كلِمات في القُرآن الكريم لا تَنطَبِق عليها قواعِدُ اللغة العرَبية، ويَعنِي هذا أنها