الْفَائِدَة الأُولَى: في هذه الآيَةِ يُخبِرُ الله عَزَّ وَجَلَّ أنَّ تنزيل الكتاب مِن عنده، وعلى هذا فتفيد الآيَةُ الكريمة أنَّ القُرآنَ مُنزَّلٌ غير مخلوقٍ، أمَّا إفادتها لكونه منزَّلًا فظاهر:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ}، لكن كيف تفيد أنه غير مَخْلوقٍ؛ فإن هذه الفائِدَة قد يعارِضُ فيها معارِضٌ، ويقول: ليس كلُّ مُنَزَّلٍ غيرَ مَخْلوقٍ بل في المُنَزَّل ما هو مخلوق؛ قال الله تعالى:{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا}[ق: ٩] والماء مَخْلوقٌ؛ وقال تعالى:{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}[الزمر: ٦]؛ وهذه الأنعام مخلوقَةٌ، فلا يلزم من الإنزال أو التَّنْزيل أن يكون المُنَزَّل غير مخلوق، فما هو الجواب عن هذا الإيراد؛ لأن هذا إيرادٌ قوِيٌّ يُورده الجَهْمِيَّة الذين قالوا: إنَّ كلامَ الله مخلوقٌ؟
الجواب على هذا الإيراد سَهْل؛ بأن يقال: إنَّ الإنزالَ إذا أُضيفَ إلى عَيْنٍ قائمةٍ بنفسها فهذه العَيْن مخلوقة، وإذا أُضيف إلى وَصْف كان هذا الوصف حَسَب الموصوف، والكلامُ وَصْف، فإذا كان الله أنزل القرآن وهو كلام وأضافه إلى نفسه فهو عَزَّ وَجَلَّ هو بصفاته أزلِيٌّ أبديٌّ ليس بمخلوق، واجبُ الوجود.
إِذَنْ: فيتِمُّ الاستدلال؛ أن نقول: في قوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ}[الزمر: ١] دليلٌ على أنَّ القرآن مُنزَّل غير مخلوق.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فيه دليل على عُلُوِّ الله؛ وَجْهُه أنه قال:{مِنَ اللَّهِ} ومِنْ للابتداء، فإذا كان ابتداء الكتاب من عند الله وهو مُنَزَّل، دلَّ على علوِّ مَن كان مِن عنده، وهو الله عَزَّ وَجَلَّ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: تعظيم القرآن؛ وَجْهُه: أنَّه نازِلٌ من عند الله، وأنه كلام الله، فيكون عظيمًا كعِظَمِ المُتَكَلِّم به.