للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [رَجعةً إلى الدُّنيا {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} يَعنِي: يَتمنَّى أن يَكون له رَجعة ليَكون من المُحسِنين.

وقوله تعالى: {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، ولم يَقُل: من المُتَّقين؛ لأن الإحسان درَجةٌ فوقَ التَّقوى، فكُلُّ مُحسِنٍ مُتَّقٍ، وليس كُل مُتَّقٍ مُحسِنًا، فالإحسان درجةٌ عاليةٌ قال فيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْ تَعْبُدَ الله كَأنَّكَ ترَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ترَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" (١). ولكن ليسَتْ هذه النَّفسُ صادِقةً في أنها تَتَمنَّى لتَكون من المُحسِنين، قال الله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: ٢٨]، لكن عند العَذاب ليس لها إلَّا أن تَقول هكذا: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: أن هؤلاءِ يَتمَنَّون الرجوع إلى الدُّنيا إذا رأَوُا العذاب.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنهم يَتَمنَّوْن الرجوع؛ ليَكونوا من المُحسِنين، لا للتَّلذُّذ بالدنيا والتَّمتُّع بها؛ لقوله تعالى: {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، وهذا يُشبِه قوله تعالى: {رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: ٩٩، ١٠٠].


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، رقم (٥٠)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، رقم (٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>