للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وانظُرْ إلى كعبِ بنِ مالك - رضي الله عنه - لمَّا قيل: إنه تَخلَّف عن غَزوة تَبوكَ فُلان وفُلان (١) هان عليه الأمر، وهذا شيءٌ مُسلَّم، والخَنْساء تَرثِي أخاها صَخرًا وتَقول:

وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي ... عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي

وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ... أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي (٢)

إِذَنْ نَقول: مَن قدَّر الله تعالى ضلالَه فلن يَهديَه أحَدٌ مهما أُوتِيَ من الآيات، فإنها لا تُغنِي الآياتُ والنُّذُرُ عن قومٍ لا يُؤمِنون.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: كِفاية الله تعالى لعَبْده.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الحَثُّ على تَحقيق العُبودية لله تعالى؛ لأنك إذا حقَّقْتَ العبودية تَحقَّقَت لك الكِفاية، إذ إن الحُكْم المُعلَّق على وَصْف يَقوَى بقوَّة ذلك الوصفِ، وَيضعُف بضَعْف ذلك الوَصْفِ، فإذا كانتِ الكِفاية مُرتَّبةً على العُبودية حَصَل للعابِد من هذه الكِفايةِ بقَدْر عُبوديته على القاعِدة أن الحُكْم المُعلَّق بوَصْف يَقوَى بقوَّته ويَضعُف بضَعْفه.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: دِفاع الله عَزَّ وَجَلَّ عن المُؤمِنين؛ لأنه إذا كان كافيَه فسوف يُدافِع عنه، ويُحقِّق ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: ٣٨].


(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، رقم (٤٤١٨)، ومسلم: كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم (٢٧٦٩)، من حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه -.
(٢) ديوان الخنساء، ط. دار المعرفة (ص ٧٢)، والكامل لابن المبرد (١/ ١٦).

<<  <   >  >>