وقوله تعالى:{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: الله عَزَّ وَجَلَّ عليمٌ بذاتِ الصُّدُور، وهي القُلُوب، ودليل هذا قوله تعالى:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: ٤٦] فالمراد بذات الصدور؛ أي صاحِبَة الصُّدور؛ القلوب، وإنما ذكر الله هذه الجُمْلَة بعد قوله:{فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} للإشارة إلى أنَّ الحساب يكون على ما في القلب، كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: ٨, ٩]، وقال تعالى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات: ٩, ١٠].
فالمدار يوم القيامَةِ على ما في القَلْب، أما في الدنيا فالمَدارُ على الأعمال الظَّاهِرَة، ولهذا كان النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يعامل المنافقين معامَلَةَ المسلمين؛ لأنَّهُم كانوا يتظاهَرُون بالإسلام، ونحن نحاسِبُ النَّاس في الدنيا على ما يَظْهَرُ من أَعمالِهم، ونَكِلُ سرائِرَهم إلى الله، أما في الآخرة فإن الحسابَ على ما في القلب.
ولهذا يجب على الإنسان أن يعتَنِيَ بصلاح قلبه قبل صَلاحِ جِسْمِه؛ لأنَّ صلاح الجسم واجهةٌ أمامَ الخَلْق، لكن صلاحُ القَلْبِ هو الذي يكون بين الإنسان وبين ربه عَزَّ وَجَلَّ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: بيان أنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ إنَّما أَمَرَ العباد بعبادَتِه؛ لحاجتهم لذلك، ومَنْفَعَتِهم به، وليس لحاجته إلى ذلك؛ لقوله:{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ}.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثبات اسم الغَنِيِّ لله عَزَّ وَجَلَّ، وإثبات ما دلَّ عليه مِن صِفَة؛ لأنَّ كلَّ اسمٍ من أسماء الله مُتَضَمِّن لصِفَة، وليست كلُّ صفةٍ مُتَضَمِّنَةً لاسم؛ ولهذا نقول: إنَّ صفاتِ الله أَوْسَعُ من أسماء الله؛ بمعنى أنها أكْثَرُ، ووجه ذلك ظاهر، إذا قلنا: