وقوله:{فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}: {بِمَا} ما اسم موصول بمعنى الذي، وعائدها محذوف وهو المفعول به في قوله:{تَعْمَلُونَ} أي: بما كنتم تَعْمَلونه. و (ما) الموصولة، بل وجميع الأسماء الموصولة، تفيد العموم، والدليل على أنَّ الأسماء الموصولة تفيد العموم قوله تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[الزمر: ٣٣] فأعاد الإشارة إليه جمعًا مع أنه مفرد، وهذا يدلُّ على أنه يفيد العموم.
إذن: كل ما نَعْمَلُ من خير وشَرٍّ وصغير وكبير وسابقٍ ولاحِقٍ، فإن الله تعالى يُنَبَّئُنا به؛ أي: يُخْبِرُنا به.
وتأمَّلِ اللُّطْف والإحسان؛ حيث قال تعالى:{يُنَبِّئُكُمْ}[الأنعام: ٦٠] ولم يقل: (يُؤاخِذُكم) لأنَّه ثبت في الصَّحيح: "أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يخلو بِعَبْدِهِ المُؤْمِنِ، فيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، ويقول: عَمِلْتَ كَذَا في يَوْمِ كَذَا، وعَمِلْتَ كَذَا في يَوْمِ كذا حتى يَعْتَرِفَ، ثم يقول الله له: قَدْ سَتَرْتُها عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأنا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ"(١).
فهذا إنباءٌ بدون مؤاخَذَةٍ؛ ولهذا قال {يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الأنعام: ٦٠] ثم المؤاخَذَة إليه، فالإنباءُ وعدٌ عليه، والمؤاخَذَة إليه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]؛ ولهذا كان الكُفَّار لا يُنَبَّؤُون بعملهم كما يُنَبَّأُ المؤمن؛ يعني أنَّ الله يخلو به، ويستر عليه، ويُقَرِّره بذنوبه معه وَحْدَه، أما الكُفَّار - والعياذ بالله - فيُنادَى على رؤوس الأشهاد {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود: ١٨] والله أعلم.
(١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب قول الله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، رقم (٢٤٤١)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، رقم (٢٧٦٨)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.