الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ الكافِرَ لا يعرف ربَّه إلا عند الضَّرورة؛ لقوله:{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ}.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن عبادة الضَّرورة لا تنفع غالبًا أي إنَّ الإنسان إذا عَرَفَ ربَّه عند الضَّرورة فقط، فالغالب أنه لا ينتفع بهذه العِبادَة؛ لأنَّها ليست عبادةً عن رَغْبَة ولكنها عبادة من أجل إنجاءِ الإنسانِ من الهَلَكَة، وإن كان أحيانًا يَنْتَفِعُ ربما يكون هذا سببًا لفَتْحِ الله عليه، كما يوجَدُ الآن من النَّاس مثلًا من يصاب بمرض شديدٍ ويخاف منه الهلاك، فيُنيبُ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ويدعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم يَمُنُّ الله عليه بالاستمرار، لكنَّ الغالِبَ أنَّ التعبُّد ضرورةً لا يُفيدُ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ الكافِرَ يُؤْمِنُ بالله، وأن إيمانه بالله لا يُخْرِجُه من الكفر؛ لقوله:{دَعَا رَبَّهُ} فالإيمانُ بالله وبربوبيته لا يكفي ولا يُخْرِجُ الإنسانَ من الكفر. ودليل ذلك: أنَّ المشركينَ الذين بُعِثَ فيهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يُقِرُّون بالله؛ لقوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف: ٨٧]، وقوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف: ٩].
يعني: يُقِرُّون بأنَّ الذي خَلَقَهُم هو الله وَيصِفُونَه بالصِّفات الكامِلَة، ومع ذلك فهم كفَّار استباحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - دماءهم ونساءهم وأموالَهُم وذُرَّيَّتَهم.
وبه نعرف أن من قال عن النصارى: إنَّهُم مؤمنون، فهو جاهل، بل إن كان عالِمًا بما يدلُّ عليه الشَّرْعُ مِنْ كُفْرِهِم فهو مُرْتَدٌّ؛ لأنَّ من حكم بالإيمانِ لِمَن كَفَّرَهُ الله، فإنَّه مُرْتَدٌّ مُكَذِّبٌ لله عَزَّ وَجَلَّ، وكذلك من قال عن اليهود: إنَّهم مؤمنون بالله؛ فإن