للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه من العَذاب فيُشرِكون]؛ فقوله تعالى: [{بَلْ أَكْثَرُهُمْ} أي: أهل مَكَّةَ] هذه عادة المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ حيثُ نَجِده دائِمًا ولا سيَّما في الآيات والسُّور المَكِّيَّة يَجعَل مِثل هذا الخِطاب مُنصَبًّا على أهل مَكَّةَ، ولكن الذي يَنبَغي فِعْله أن نَجعَل دَلالة القرآن عامَّةً دائِمًا إلَّا عند الضرورة؛ لأن القُرآن نزَل لجَميع الخَلْق إلى يوم القيامة، فتَخصيصه بأهل مكَّةَ يَعنِي أنه لا يَتناوَل غيرَهم إلَّا بالقِياس، لكن إذا أَخَذْنا بدَلالة اللَّفْظ العامة شمِل أهل مكَّةَ وغيرَهم بالنَّصِّ، وهناك فَرْق بين شُمول الحُكْم بالنَّصِّ وشُموله بالقِياس.

فالصحيحُ: أن الضمير في {أَكْثَرُهُمْ} يَعود على أكثَر الخَلْق، وأنهم لا يَعلَمون؛ ولهذا ثبَت في الحديث الصحيح: أن الله تعالى يَقول: "يَا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ أَوْ بَعْثَ النَّارِ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُ مِئَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ" (١)، وهؤلاءِ همُ الأَكثَرُ، فأكثَرُ الخَلْق لا يَعلَمون إمَّا لجَهْلهم أو لغَيِّهم، فإن كانوا لجَهْلهم فكما قلت قبلُ: فهُم قد انتَفَى عنهم العِلْم، وإن كان لِغَيِّهم فإن العِلْم انتَفَى عنهم؛ لانتِفاء فائِدته حيث لم يَستَرْشِدوا به.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: أن هذه الآيةَ تَطبيقٌ؛ لقوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} فإن هذا مثَل.


(١) أخرجه البخاري: كتاب التفسير، باب قوله: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى}، رقم (٤٧٤١)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب قوله: "يقول الله لآدم: أخرج بعث النار"، رقم (٢٢٢)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>