قوله تعالى:{أَنْ تَقُولَ} يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} قبل إِتْيانه بوَقْته]، يَعنِي: لا تَشعُرون بوقته قبل إتيانه، بل قد ضرَبْتمُ الأمَل الطويل والتَّفاؤُل الذي ليس في مَحلِّه حتى أَتاكُمُ العَذاب؛ [فبادِروا قبلَ {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ}] قدَّر المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ هذا الذي ذكَر لدَلالة السِّياق عليه.
وهذا الذي قام به المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ يُسمَّى عند البَلاغيين: إيجازَ الحَذْف؛ لأن الإيجاز عِندهم نوعان: إيجازُ قَصْر، وإيجازُ حَذْف؛ فإيجازُ القَصْر أن تَكون العِبارة القَصيرة تَتَضمَّن مَعانيَ كثيرةً، وإيجاز الحَذْف أن تَكون العِبارة المَوْجودة قد حُذِف منها ما هو مَعلوم.
مثل قوله تعالى: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: ٢٤، ٢٥]، وهذه الآيةُ حُذِف منها شيءٌ كثير؛ لأن تَقديرها أن المَرْأتَيْن ذهَبَتا إلى أبيهما وأَخبَرَتاه بالخبَر، ثُمَّ أَرسَل إحداهما إلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلَامُ فجاءَتْ إحداهما تَمشِي على استِحْياء.