ما بعدها يكون مُرَتَّبًا على ما قَبْلها، فالمعنى: فلإِنْزَالِنا إليك الكتابَ اعْبُدِ الله مُخْلِصًا له الدين؛ (اعْبُد) الخطاب للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله تعالى:{مُخْلِصًا} حالٌ من فاعل (اعبُد) وإخلاص الشَّيْء تَنْقِيَتُه من الشَّوائِب، وإزالة ما يخالِطُه، فإذا كان:{مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} فالمعنى: أنْ تُنَقِّيَ دينَكَ مِن كُلِّ شِرك؛ ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} من الشرك؛ أي: موحِّدًا له] أي: لله عَزَّ وَجَلَّ.
وقوله تعالى:{لَهُ الدِّينَ}: {الدِّينَ} يعني: العَمَل، والمراد به هنا: العمل المخصوصُ، وهو: العبادة؛ لقوله:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} ولم يَقُل: مخلصًا له العبادَةَ؛ لأنَّ الدِّين هو العمل الذي يريد العامِلُ عليه مكافأةً؛ هذا الدين، ومنه قولهم: كما تدين تُدانُ، واعلم أنَّ الدِّينَ يُطْلَق على العمل الذي يُرادُ به المكافأةُ، ويُطلَق على نفس المكافَأَة، وهي الثَّواب على العمل.
ومثال الثاني قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: ٤]، يعني: يوم الجزاء على العَمَل، ومثل قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار: ١٧، ١٨]؛ أي: يوم الجزاء على العمل.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: فضيلَةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وعُلُوُّ مَرْتَبَتِه، وذلك بإنزال كتاب الله إليه؛ لقوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ}. وهل إنزالُ القرآنِ إلى الرَّسول إنزالٌ إلينا؟