على أن كل ما كمَل من الدُّنيا عاد ناقِصًا، ويَدُلُّ على هذا قوله تعالى:{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ}[يونس: ٢٤]، فالذِّكْرى هنا ليسَت مُجرَّد الدَّلالة على وَحْدانية الله تعالى وقُدرته، بل هي أَشمَلُ.
ومن أهمِّها: الدَّلالة على أن ما كمَل في الدنيا فمَآله إلى النَّقْص، فالصِّحَّة مَآلها إلى المرَض، والحياة مَآلها إلى الموت، وهكذا قِسْ كل ما في الدنيا على هذا المِثالِ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: بَيان قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ في إنزال هذا المطَرِ من السماء، لأنه لا يُمكِن لأَحَد أن يَستَطيع إنزاله كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}[لقمان: ٣٤].
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: حِكْمة الله ورحمته، حيث جعَل هذا الماءَ يَنزِل من السَّماء؛ لأنه لو كان يَنبُع من الأرض لم تَستَفِدْ به عامة الأرض من وجهٍ ولم يَصعَد إلى قِمَم الجِبال إلَّا إذا أَغرَق الناس الذين يَعيشون تحت الجِبال، فكان من الحِكْمة أنه يَنزِل من السَّماء ليَعُمَّ المُرتَفِع والمُنخَفِض، وليَشمَل الأرض كلَّها.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: بَيان حِكْمة الله عَزَّ وَجَلَّ في كيفية نُزول هذا الماءِ على قَطَرات، ولو نزَل صَبًّا كما تُصَبُّ أَفواه القِرَب لأَهلَكَ الناس، وهدَم البِناء، ولكن من رحمة الله عَزَّ وَجَلَّ أنه يَنزِل قَطَراتٍ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن السماء يُطلَق على العُلوِّ.