أَيْ: لَه انتِقامٌ، وفَرْقٌ بين أن أُسمِّيَ الرجُل بالنَّجَّار؛ لأن مِهْنته النِّجارة، أو أَقول: له نِجَارةٌ. يَعنِي: يَنجُر إن دعَتِ الحاجة إلى ذلك؛ فيُوصَف الله تعالى بما وصَفَ الله تعالى به نَفْسه من الصِّفات؛ على حسَب ما يَصِف به نَفْسه، وما لم يَصِف به نفسه إن كان دالًّا على مَعنًى يَليق بالله جاز أن يُخبَر به عن الله تعالى، وإن كان دالًّا على مَعنًى لا يَليق بالله تعالى حرُم أن يُوصَف به الله تعالى لا خبَرًا ولا وَصْفًا لازِمًا.
وهذه مَسأَلة مُهِمَّة، يَعنِي: ما لا يَليق بالله تعالى لا يَجوز أن نَصِفه به لا على سَبيل الفِعْل ولا على سَبيل الوَصْف اللازِم، وما كان لا يُخالِف ما يَليق بالله تعالى جاز أن نُخبر به عنه، وقد ذكَرَ شيخُ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ هذا التَّقسيمَ في كِتاب (الفتاوى) في قِسْمَ التَّوْحيد.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ} غالِب على أَمْره].
وتَفسيره العَزيزَ بالغالِب على الأَمْر يُعتَبَر قاصِرًا؛ لأن العِزَّة لها ثَلاثة مَعانٍ كما شرَحْنا، قال رَحِمَهُ اللهُ: [{ذِي انْتِقَامٍ} من أَعدائه؟ بلَى] والانتِقام أَخْذ المُجرِم بجَريمته، وقوله تعالى:(بلَى) هذا جَواب الاستِفْهام في قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ}.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: إثبات عِزَّة الله عَزَّ وَجَلَّ بجَميع مَعانيها.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تَهديد هؤلاء المُكذِّبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَهديدهم بهذين الوَصْفين؛ وَصْف العِزَّة المُستَفاد من (عَزيز)، والانتِقام المُستَفاد من قوله تعالى:{ذِي انْتِقَامٍ} فكأَنَّ الله تعالى يُهدِّدهم بعِزَّته وانتِقامه من تَكذيب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.