وقوله رَحِمَهُ اللهُ: [{أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الشِّرْكَ] {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} أتَى باسْمِ الإشارة للبَعيد لعُلوِّ مَرتَبتهم ولم يَقُل: هؤلاءِ. بل قال تعالى:{أُولَئِكَ} و {أُولَئِكَ} يُشار بها للبَعيد، وإنما أُشير لها إشارة البَعيد مع دُنوِّ التَّحدُّث عنهم؛ لعُلوِّ مَرتَبتهم.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{الْمُتَّقُونَ} الشِّرْكَ] من أَغرَب ما يَكون؛ لأن الحديث الآنَ عن الصِّدْق والتَّصديق بالصِّدْق، فأين الشِّرْك؟ فإنه لم يَتَقدَّم له ذِكْر، ولو أَرَدْنا أن نُخصِّص لقُلْنا: أُولئِك هُمُ المُتَّقون الكذِبَ والتَّكذيبَ بالحقِّ، مع أن الذي يَدُلُّ عليه الدليلُ: أن المَعنَى: أُولئك هُمُ المُتَّقون اللهَ تعالى، وذلك لأن التَّقوى إذا أُطلِقَت فإنما يُراد بها تَقوى الله تعالى، أمَّا إذا قُيِّدت فهي حَسبما قُيِّدت به، فقوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}[البقرة: ٢٨١] هذا لليومِ، وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[آل عمران: ١٣١] هذا للنَّار.
وقوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ} هذا لله تعالى؛ وعند الإِطْلاق لله تعالى؛ لأن الله تعالى أحقُّ أن يُتَّقى عَزَّ وَجَلَّ؛ فهنا نَقول:({أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الله)؛ ولهذا جاؤُوا بالصِّدْق وصدَّقوا به تَقوَى لله عَزَّ وَجَلَّ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: الثَّناء علي مَن قال بالصِّدْق، والصِّدْق واجِب، والكذِب مُحرَّم، وقد يَقول قائِل: إنه من كَبائِر الذُّنوب؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جعَله من آيات النِّفاق (١)، والمُنافِق ليس من المُؤمِنين؛ فلو قال قائِل: إن الكذِب من كبائِر الذُّنوب لم يَكُن قوله بعيدًا.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم (٣٣)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم (٥٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.