والعقل الذي يُحْمَدُ فاعله هو عَقْلُ الرُّشْد - أي الذي يَحْجِزُك عما يضُرُّك -، أما عَقْل الإدراك فإنه يستوي فيه المَحْمُود والمَذْموم، عقل الإدراك الذي يترتب عليه التَّكليف، وهو الذي يأتي في كلام الفقهاء؛ يقولون:(مِنْ شروط العبادة: العَقْل) يعني عَقْل الإدراك، أما عَقْلُ الرُّشْد الذي يَحْجِز صاحبه عما يضُرُّه، فهذا لا علاقة بالتَّكليف به، بل إنما يقال: مَنْ حَجَزَهُ عَقْلُهُ عَمَّا يَضُرُّه فهو العاقِلُ حقًّا، ومَنْ لا فَلَا.
قوله:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} أي: لا يتذَكَّرُ إلا هؤلاء.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ القرآنَ الكريمَ يَفْتَحُ للإنسان الاستدلالَ العقليَّ؛ يعني أنه يعرض الأشياء عَرْضًا عقليًّا، وذلك بطلب التَّدَبُّر والتَّفهُّم؛ فمثلًا: من هو قانت ومن هو عاصٍ، بكل بساطَةٍ إذا عُرِضَت حال هذا وحال هذا على العقل سيقول: لا يَسْتويان؛ من هو قانِتٌ آناء اللَّيل ليس كَمَنْ هو عاصٍ.
وهذه من الطُّرُق التي ينبغي لطالب العلم - عند المناظرة - أن يتَّخِذَها سبيلًا إلى إفحام الخَصْم؛ لأنَّ كثيرًا من الخُصُوم قد لا يقْتَنِعون بمجَرَّد الدليل الأَثَرِيِّ فنسوق إليهم الدَّليلَ النَّظرِيَّ، ولا سيما في الوقت الحاضِرِ؛ حيث اتَّخَذ كثيرٌ من النَّاس - إن لم أقل: أكثرهم - طريق إبليسَ سبيلًا، وهو معارضة السمع بما يَظُنُّه عقلًا؛ يعني معارضة النُّصوص بما يظنُّون أنه عقل.
ونحن نعلم علم اليقين: أنَّه ليس في النُّصوصِ ما يخالِفُ العَقْل الصَّريحَ أبدًا، بل في النُّصوص ما يؤَيِّده العقل الصَّريح، ويكون هذا شاهِدًا؛ لهذا كلٌّ منهما يقوَّى بالآخَرِ.