والجاهل، فيكون قوله:(لا يستويان) ليس عائدًا على قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} بل عائدٌ على ما سبقه، وهو {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} كمن هو عاصٍ لا يستويان، كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
قوله تعالى:{آنَاءَ اللَّيْلِ} يعني ساعاتِ اللَّيلِ لأنَّه أحيانًا يُطْلَبُ من الإنسان أن يقومَ كُلَّ اللَّيل كما في عَشْرِ رمضان الأخيرة، فإن السُّنَّة أن يُحْيِيَ اللَّيل كلَّه، فلو قال:(في) لتَعَيَّنَ أن يكون هناك متَّسَعٌ، فإذا قال:{آنَاءَ اللَّيْلِ} شَمِلَ هذا وهذا.
فإن قال قائل: أما نقول: إنَّه من باب الاستعدادِ للعبادَةِ، كما لو نام بِنِيَّةِ قيامِ اللَّيل، يكون داخلًا فيه؟
فالجواب: ربما يكون، لكنْ في بعض الأحيان قد يعمل أعمالًا لا يَسْتَعِدُّ بها للعبادة، ولهذا ليس من المَشْروعِ أن يقوم الإنسانُ اللَّيلَ كلَّه في كلِّ أحيانه، لكن أحيانًا.
ثم قال الله عَزَّ وَجَلَّ:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} قوله: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} إنما: أداة حصرٍ، والحَصْر هو إثبات الحُكْمِ في المَحْصور فيه ونَفْيُه عما سواه، فإذا قيل: إنَّما القائِمٌ زيدٌ، فهو كقولنا: لا قائِمَ إلا زيدٌ.
قوله:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} يقول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [يتَّعِظُ].
قوله:{أُولُو الْأَلْبَابِ} أصحابُ العقول، أصحاب تفسير لـ {أُولُو}، والعقول تفسير للألباب؛ جمع لُبٍّ: وهو العقل؛ لأنَّ الإنسانَ بلا عقلٍ قُشُورٌ، ولا يكون إنسانًا حقيقةً إلا بالعَقْل، وعلى هذا فالكُفَّار بجميع أنواعهم قُشُورٌ لا خير فيهم؛ لأنَّهُم ليسوا بعُقَلَاء، كما قال الله تعالى:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}[البقرة: ١٧١].