وقوله تعالى:{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} يُحتَمَل أن يَكون المُشار إليه باسْمِ الإشارة (ذلك) ما حصَل لهم من الخَشْية، وعلى هذا فيَكون المُراد بالهِداية هِداية التَّوفيق؛ لأن الخَشْية عمَل، ويُحتَمَل أن يَكون المُشار إليه بـ {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ} الكِتاب الذي هو أحسَنُ الحديث، فتَكون الهِدايةُ هنا هِدايةَ دَلالة؛ لأن الكِتاب يَهدِي بمَعنَى: يَدُلُّ، والتَّوفيق بيَدِ الله عَزَّ وَجَلَّ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{ذَلِكَ} أيِ: الكِتاب] أَفادَنا المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أن الإشارة في قوله ذلك تَعود إلى الكِتاب، وعلى هذا فيَكون المُراد بالهِداية هنا هِداية الدَّلالة، فإن القُرآن هُدًى بمَعنَى أنه دالٌّ على كل خَير، بل على كل شيء؛ لقوله تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩].
فقوله تعالى:{يَهْدِي بِهِ} هنا الهِداية هِدايةُ الدَّلالة والتَّوفيق؛ لأنها أُضيفت إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بيَدِه الهِدايتان، والباء في قوله تعالى:{يَهْدِي بِهِ} لم يُبيِّن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ مَعناها، ولكن مَعناها: السَّبَبية.
وقوله تعالى:{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} هذه جُمْلة شرْطية بيَّن الله تعالى فيها أن مَن كتَبه ضالًّا فما أحَدٌ يَهديه.
وقوله تعالى:{فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} أَصلُها (هادِي) بالياء، لكن حُذِفت الياء لالتِقاء الساكِنين وهُما التَّنوين في الدال والياء الساكِنة المَحذوفة، ويَجوز إبقاؤُها فيُقال: هادِي، لكنها تُحذف كثيرًا للتَّخفيف والتِقاء الساكِنين.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: إثبات أن القُرآن نزَل من عند الله تعالى؛ لقوله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}.