ثُم إنَّه لا مانِعَ أن أَقول: صلَح قَلْبي وعمَلي؛ وهذا لأن الله تعالى وصَف الجُلود نَفسَها فقال:{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ} واقشِعْرار الجُلود مَبنيٌّ على خوف القَلْب، فذَكَر اللهُ تعالى أن هذه القَشعريرةَ تَزول، وأنها تَتَحوَّل إلى لين، وكذلك القَلبُ الذي هو أصلُها.
وقد ذكَر شيخُ الإسلام (١) رَحِمَهُ اللهُ أن هناك أُناسًا يُصعَقون عند سَماع بعض الآيات وذمَّهم، وذكَر أن الصحابة رضي الله عنهم لم يَكونوا كذلك - كما في الآية -، وذلك لأن هُناك فَرقًا بين قَشعريرة الجِلْد وبين الذي يُصعَق، فالذي يُصعَق يُغشَى عليه، والخَشية المَطلوبة أن يَكون عند الإنسان عِلْم بالله تعالى وعظَمته وخوف منه، أمَّا أن يَعجِز عن تَحمُّل ما ورَد على قلبه حتى يُصعَق ويَموت، أو يَفعَل فِعْل المَجانين كالذي تَجِده يَقول: الله! الله! الله! الله! فهذا خِلاف ما كان عليه السلَف.
ولذلك عند الصُّوفية تَسبيحة يُسمُّونها: الغبيرة، وهي أنهم يَأتون بأسواط معهم، ثُمَّ يَجلِسون حِلَقًا، ثُم يَتكَلَّم الذي يَذكُر الله تعالى، فإذا زعَق (لا إلهَ إلَّا اللهُ)، وسُبحان الله. خبَّطوا بالأَسْواط على الأرض، والجَيِّد منهم الذي يُثير غُبارًا على الأرض أكثرَ؛ لأنه يَكون عنده انفِعال بقُوَّة وشِدَّة، فيُسمُّون هذه: الغبيرة. وأَظُنُّ بعضهم يَقول لبعض: هل غبرت اليومَ.
وقوله تعالى:{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ} لِين القُلوب ليس فيه مَجاز، بل على الحقيقة الحِسِّيَّة، لأن لين القَلْب الذي هو لِين المَلمَس ليس بوارِد هنا، فالظاهِر أنه لا يَكون كالجِلْد يَقِف ويَتصَلَّب، فإن كان يَقِف ويَتصلَّب فيَسأَل عن هذا عُلماء التَّشريح إذا قالوا: إنه عند الخَوْف يَتصلَّب فصار اللين حِسِّيًّا.