مُنقادةً إلى ذِكْره، فتَكون هذه اللُّيونةُ غايتها ذِكْر الله عَزَّ وَجَلَّ. ولكن لا شَكَّ أن ذِكْر اللِّين أبلَغُ من ذِكْر الطُّمأنينة؛ لأن القَشعريرة تَقتَضي نُشوز الجِلد وارتفاعه وتَصلُّبه، والذي يُقابِل ذلك اللِّينُ والهُدوءُ والطُّمأنينةُ، فتَفسير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أيضًا اللينَ بالطُّمأنينة تَفسيرٌ باللازِم في الواقِع، وإلَّا فإن اللِّين غير الطُّمأنينة؛ لأن الجِلْد إذا اقشَعَرَّ يَتصَلَّب؛ ولهذا تَجِد أطراف الإنسان تَبرُد لانحِسار الدَّمِ عنها بعضَ الشيء، فإذا هدَأ الرَّوْع فإنه يَلين وَيزول ذلك التَّصلُّبُ.
ولين القَلْب ضِدُّ قَسْوته يَعنِي عندما يَسمَعون الوعيد تَقشَعِرُّ الجُلود وتَنفِر القُلوب، ثُم بعد ذلك تَلين الجُلود والقُلوب {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[أي: عند ذِكْر وَعْده] ولكن الصواب: أنها عند ذِكْر الله تعالى مُطلَقًا حتى الوعيد إذا تَأمَّل الإنسان وهدَأَت نَفْسُه بعد أن ورَدَ عليها ما يُخوِّفه فإنه يَلين حتى للوعيد فتَخصيص المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ ذلك بذِكْر الوَعْد في النَّفْس منه شيء، ومع ذلك فله وَجهٌ إذا كان القُرآن مَثانيَ وجاء ذِكرُ النار ثُم جاء بعده ذِكْر الجَنَّة لانَتِ القلوبُ، أو ذِكْر أهل النار وجاء بعده ذِكْر أهل الجنَّة لانَتِ القُلوب أيضًا.
وقوله تعالى:{إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} لم يَقُل: لذِكْر الله. بل قال:{إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وكأَنَّ هذا اللِّينَ صار له غاية وهو ذِكْر الله عَزَّ وَجَلَّ.
وقوله تعالى:{إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} هل هو من باب إضافة المَصدَر إلى الفاعِل يَعنِي: إلى ما ذكَرهم الله به، أو من باب إضافة المَصدَر إلى المَفعول به أي: إلى ذِكْرهمُ اللهَ؟
الجَوابُ: هذا وهذا، فالكلِمة صالِحةٌ لهذا وهذا، أي: إلى ذِكْرهِم لله، أو إلى ما ذكَرَهم الله به، وهو القُرآن الذي جعَله الله تعالى به مَثانيَ.