قال تعالى:{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا} هذا الاستِدراكُ من أحسَن ما يَكون؛ فلمَّا قال تعالى:{أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي} استَدرَك هذه الحالَ، أَعنِي: حالَ مَن لا يَدخُل النار، فقال تعالى:{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ... } إلخ.
لكن هنا لا تَعمَل؛ لأنها مخُفَّفة، وإذا خُفِّفَت تَكون لمُجرَّد العَطْف فقَطْ، ومَعناها: الاستِدْراك، وعليه يَكون {الَّذِينَ} مُبتَدَأ، وخبَرُه جُملة {لَهُمْ غُرَفٌ}.
وقال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} بأن أَطاعوه فأَفادَنا المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ بأن التَّقوى هي الطاعة، وأَجمَع ما قِيل في التَّقوى: أنها طاعة الله عَزَّ وجلَّ بامتِثال أَمْره، واجتِناب نَهيِه؛ لأنه أَمَر ونهَى لا للهَوى؛ ولهذا مَن أَطاع الله تعالى لمُجرَّد الهوى لا يَكون كمَن أَطاع الله تعالى؛ لأن الله تعالى أمَر أو نَهَى، هناك كثيرٌ من الناس يُطيع الله تعالى؛ لأن نَفْسه تَهْوى ذلك، لكن الطاعة الحقيقية هي التي يَكون الباعِث عليها امتِثال أمر الله تعالى تَرْكًا للمَنهِيَّات وفِعْلًا للمَأمورات.
وقوله تعالى:{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ}: {اتَّقَوْا رَبَّهُمْ} إشارة إلى أن تَقواهم مَبنِيَّة