للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل مَن شاهَد غيره أنه يَفْعَل عَلِم ما فعَل.

وقوله تعالى: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} تارةً تَأتِي (يفعَلون)، وتارةً تَأتِي (يعمَلون)، وتارةً تَأتِي (يَكسِبون)، فهل بينها فَرْق؟

نَقول: لا ليس بينها فَرْق؛ لأن مُؤدَّاها واحِد، لكن إذا قيل: قولٌ وفِعْلٌ؛ صار القول باللِّسان، والفِعْل بالجَوارِح، وإذا قيل: عمِل صار شامِلًا للقول والفِعْل، وإذا قيل: قول فإنه يَكون شامِلًا للقول والفِعْل.

ومنه - أي: من إطلاق القَوْل على الفِعْل - قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعَمَّار بنِ ياسِر - رضي الله عنهما -: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا" ثُمَّ ضرَب يدَه بالأرض (١). ومعلوم أن هذا ليس قولًا، بل هو فِعْل.

وقوله تعالى: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [فلا يَحتاج إلى شاهِد] نعَمْ، لا يَحتاج إلى شاهِد، كفَى بالله تعالى شَهيدًا، لكنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقيم الشهود إظهارًا للعَدْل، وتَوْبيخًا للفاعِل؛ لأنه إذا أُقيم عليه الشهود بعد أن أَنكَر صار ذلك أَشدَّ تَوْبيخًا.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: أن الناس يَستَوْفون أعمالهم يومَ القِيامة؛ لقوله تعالى: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} هو بعد أن قال تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ... } إلى آخِره.

ويَدُلُّ لهذا - أن استِيفاء العمَل يَكون يوم القِيامة - قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٨٥].


(١) أخرجه البخاري: كتاب التيمم، باب المتيمم هل ينفخ فيهما، رقم (٣٣٨)، ومسلم: كتاب الحيض، باب التيمم، رقم (٣٦٨).

<<  <   >  >>