أمَّا في الدُّنيا فإن الإنسان قد يُوفَّى عمَلَه وقد لا يُوفَّى، فالكافِر مثَلًا: لا يُمكِن أن يُوفَّى جزاءَ عمَله في الآخِرة، وأُريدُ: جزاءَ عمَله الصالِح، يَعنِي: لو أن الكافِر تَصدَّق، أو أَصلَح شيئًا يَنفَع المُسلِمين، أو فَعَل أيَّ شيء يَتعدَّى نَفعُه؛ فإنه لن يُجازَى عليه في الآخِرة، ولكن يُطعَم به في الدنيا فيُجازَى عليه في الدنيا، ثُمَّ قد يُجازَى في الدنيا ويُطعَم إيَّاه وقد لا يُجازَى.
أمَّا المُؤمِن فإنه وإن جُوزِيَ في الدنيا على عمَله الصالِح فإنه لن يُحرَم الجزاء في الآخِرة، قال الله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} هذا جزاء دُنيويٌّ، ثُم قال تعالى:{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} هذا أُخرَويٌّ.
المُهِمُّ: أن مُنتَهى الجَزاء هو يوم القِيامة، لقوله تعالى:{وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ}.
فإن قال قائِل: يَقول تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: ٣٤ - ٣٦]، فهل يُمكِن في هذا المَوقِفِ العَظيم الإنسان أن يَتَنازَل بشيء من حسَناته لأُمِّه وأبيه؟
فالجَوابُ: الظاهِر أنه لا يُمكِن؛ لأن العمَل انتَهَى وقتُه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: عَدْل الله تعالى في جَزائه؛ لقوله عَزَّ وجَلَّ:{مَا عَمِلَتْ} لا زِيادةَ ولا نَقصَ، ويُؤكِّد ذلك قوله تعالى:{وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}، فإذا كان أَعلَمَ بما يَفعَلون وهو حكَمٌ عَدْل؛ عُلِم أنه لن يَنقُص الإنسان من أَجْره شيئًا.