للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتَقول: سُبحان الله {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} قوم كأنهم جُثَث لا يَسمَعون، اللهُمَّ إلَّا مَن كان خفيفَ النَّوْم، لكن الأَصْل أنهم في النَّوْم جُثَث فتَقول: سُبحان الذي أَماتَهم، ثُم أَحياهم بعد أن كانوا شِبهَ أموات، فهي آيات، وهي آيةٌ أيضًا على البَعْث، فإن النوم وفاةٌ صُغرى يَبعَث الله تعالى فيه النائِم حتى يَحيا يَستَيْقِظ تمامًا، كذلك الإحياء بعد الموت يَقيه الله عَزَّ وَجَلَّ وهو قادِرٌ عليه، والعاقِل يَقيس الغائِب على الشاهِد والمُستَقبَل على الحاضِر ويَتبيَّن له الأَمْر.

وقوله تعالى: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} التَّفكُّر إِعْمال الفِكْر بحيث يَدور كارًّا وراجِعًا، يمينًا وشِمالًا حتى يَتبيَّن له ما يَتَبيَّن بتَفكُّر، وضِدُّ التَّفكُّر الغَفْلة، وأن يَكون القَلْب حجَرًا أملَسَ لا يَقَرُّ عليه شيء، فلو قَرَّ عليه حَبَّةٌ من تُراب أَطارَتْها الرياح وجرَت بها المياهُ، فالإنسان المُتفكَّر هو الذي ليس بغافِل، بل يُدير فِكْره يَمينًا وشِمالًا، ذاهِبًا وراجِعًا حتى يَتبيَّن له الأمر.

وقال رَحِمَهُ اللهُ: [{إِنَّ فِي ذَلِكَ} المَذكور {لَآيَاتٍ} دَلالات {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيَعلَمون أن القادِر على ذلك قادِرٌ على البَعْث، وقُرَيْشٌ لم يَتفَكَّروا في ذلك] نعَمْ، في هذا المَذكورِ آيات، ونحن ذكَرْنا أربَعًا ظاهِرةً، ولو تَأمَّلنا لوجَدْنا أكثَرَ من ذلك بكثير، ولكنها تَحتاج إلى تَفكير وتَدبُّر وتَأمُّل فتَتَّضِح.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: بَيان قوَّة سُلطان الله عَزَّ وَجَلَّ وعُمومه؛ تُؤخَذ من كونه يَتصَرَّف هذا التَّصرُّفَ حتى في الأَنْفس يَتوَفَّاها جميعًا فيُرسِل هذه ويُمسِك هذه، وهذا دليلٌ على كَمال المِلْك والسُّلْطان.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن المُتوفِّيَ للأنفُس حين موتها هو الله عَزَّ وَجَلَّ؛ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:

<<  <   >  >>