والقَضاء الكَونيُّ مثل قوله تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ}[الإسراء: ٤]، فإن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يَقضِي بالفَساد في الأرض قضاءً شرعيًّا، إنما هو قَضاءٌ كونيٌّ، وهنا يَقول تعالى:{قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}، أي: قضاءً كونِيًّا.
ثُمَّ قال تعالى:{فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} وهي التي تَوفَّاها في مَنامها يُرسِلها إلى أجلٍ مُسمًّى، أي: إلى أجَلٍ مُعيَّن وهو الموت، يَعنِي: يُرسِلها تَذهَب إلى جسَدها وتَبقَى فيه إلى أجَلٍ مُسمًّى، أي: مُعيَّنٍ مُحدَّد.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: [{فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وقت مَوْتها] هذا الأجَلُ المُسمَّى، [والمُرسَلة: نفس التَّمييز تَبقَى بدونها نَفْس الحياة، بخِلاف العَكْس]، كأن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ يَقول: إن الأنفس نَوْعان: نَفْس تَميِيز، ونَفْس حَياة؛ فنَفْس التَّميِيز هي المُرسَلة:{وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وتَبقَى بدونها الحياة، فالنائِم في حياةٍ لا شَكَّ، فنَفْس التَّمييز تَبقَى بعدَها الحياة، والعَكْس لا؛ ولهذا قال رَحِمَهُ اللهُ:[بخِلافِ العَكْس]، فإن نَفْس الحياة إذا قُبِضت لا تَبقَى بعدها نَفْس التَّمييز، فأَفادَنا رَحِمَهُ اللهُ أن الأَنْفسَ في قوله تعالى:{الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} أَنفُسُ الحياة ويَتبَعها أنفُس تَمييز، قال تعالى:{وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أي: أَنفُس التَّمييز.
وقوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} يَعنِي: الوفاة للنَّفْسين، والإِرْسال لإحداهما وإِمْساك الأخرى فيه آيات، والآيات التي معَنا واضِحة جِدًّا، وهي أربعة: وَفاة الموت، ووفاة النَّوْم، وإمساك المَيْتة، وإرسال النائِمة؛ وكلها من آيات الله عَزَّ وَجَلَّ، وإنك لتَأتي إلى القوم جماعةً نائِمين