قال الله عَزَّ وَجَلَّ:{أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} إِيْ واللهِ، {أَلَا ذَلِكَ} وهذا التَّأكيد البالغ؛ فقوله:{أَلَا} أداة اسْتِفْتاح، والفائِدَة منها: التَّوْكيد والتَّنْبِيه {ذَلِكَ} إشارة للبُعْد؛ لأنَّه خُسْرانٌ سحيقٌ - والعياذ بالله - يعني لم يقل: ألا هذا، مع أن ذِكره قريبٌ لكنه خسرانٌ سحيقٌ، فأشير إليه بإشارَةِ البعد، ثم حَصَر، قال:{هُوَ الْخُسْرَانُ} يعني: لا غَيْره، ثم أكَّدَ بفداحَتِه فقال:{الْمُبِينُ} أي: [البَيِّن] الذي لا يَخْفَى على أحد، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الرَّابِحينَ.
[من فوائد الآيتين الكريمتين]
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّه ينبغي للإنسانِ أن يُعْلِنَ بالحَقِّ الذي هو عليه، ولا يبالِي بمن خالَفَه؛ لقوله: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} يعني: فلا أبالي بكم، أنا سأعبد الله وأسيرُ على الطَّريقَة السَّليمَة، وأنتم سيروا على ما شِئْتُم.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِن أشَدِّ النَّاس امتثالًا لأَمْرِ الله؛ لأنَّه قال فيما سبق:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتاجٌ إلى العمل الذي يُنْجِيه من عذاب الله؛ لقوله:{مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} بالياء بالإضافَةِ، وهو كذلك، ولمَّا حَدَّث أصحابه بأنه:"لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ"، قالوا: ولا أَنْتَ يا رسول الله؟ قال:"وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِرَحْمَتِهِ"(١).
(١) أخرجه البخاري: كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم (٥٦٧٣)، ومسلم: كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، رقم (٢٨١٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.