يأخُذَ رأس ماله، وإمَّا أن يَخْسَر فيأتيه أقَلُّ من رَأْسِ ماله، وإما أن يَرْبَحَ فيأتيه أكثر، والخُسْران الحقيقي هو ما ذكره الله هنا {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، فهؤلاء هم الذين خَسِروا، وليس الخاسِرُ من فقد ملايينَ الدَّراهم، وليس الخاسِرُ من فقد أهله في الدنيا، وليس الخاسر من فقد نَفْسَه في الدنيا، بل الخاسِرُ من خسر نفسه وأهله يوم القيامة.
يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[بِتَخْلِيدِ الْأَنْفُس فِي النَّار وَبِعَدَمِ وُصُولهِمْ إلَى الْحُور المُعَدَّة لَهُمْ فِي الْجَنَّة لَوْ آمَنُوا] قوله: بتخليد الأنفس في النار؛ هذا بيانٌ لخسرانِهِم أنْفُسَهم؛ لأنَّه خَسِرَ نفسه في الحقيقة؛ ووجه الخسران: أنَّ حياته في الدُّنيا لم يَسْتَفِدْ منها في الآخرة إطلاقًا، فخسر نفسه، خَسِرَ عُمُرَه كله راح هباءً منثورًا؛ فلو أنه مؤمن مُخْلِص لاستفاد، لكان كلُّ حياته الدنيا رِبْحًا؛ لأنَّه سوف يُخَلَّد في الجنة التي فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سَمِعَت ولا خطر علي قلب بشر؛ أمَّا الآن فسَيُخَلَّد في النار؛ هذه خسارة النفس.
وأما خسارَةُ الأَهْل فقد فسَّرها المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: بأنه يَفوته الحُورُ العِينُ في الجنة لو آمن، وهذا وإن كان له وَجْهٌ لكنه بعيدٌ من الصَّواب؛ وذلك لأنَّ الحور في الجنة لم تكن أهلًا له حتى يقال: خَسِرَهم، وإنما المراد: خَسِرُوا أَهْليهم؛ لأنَّ أهليهم إن كانوا مؤمنين فهم في الجَنَّة ولم يَجْتَمِعوا بهم، وإن كانوا كفَّارًا فهم في النار ولم يجتمعوا بهم أيضًا، ولو كانوا مؤمنين وذُرِّيَّتهم مؤمنة لكانوا كما قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الطور: ٢١] يعني لن يَجْتَمِع أحدٌ مع أهله في الآخِرَة إلا إذا كان هو وهم مُؤْمِنينَ، فسيجتمعون اجتماعًا لا فِرَاقَ بعده، أما من لم يكن كذلك فلا اجتماعَ.
وعلى كلِّ حال: الصَّحيحُ أنَّ المراد بـ (أهليهم) يعني أهليهم الذين في الدنيا؛