ويُحْتَمَل أن يكون تحَدِّيًا، فالمُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ يقول:[فيه تَهْديدٌ]، ويمكن أن يكون تحَدِّيًا، أما كوْنُه تهديدًا فظاهِرٌ {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} لأنَّه قال بعده: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ} إلخ، وأما كونه تَحَدِّيًا فلأنَّه لمَّا ذكر أنه يعبد الله وحده مُخْلِصًا تحدَّاهم، قال: أنا لا أُبالي، أنتُم اعبُدوا ما شِئتُم وأنا لا أُبالي بكم، فسوف لا أُشْرِك بالله، وسوف أَعْبُد اللهَ وَحْدَه مُخْلصًا.
والقاعدة عندنا في التَّفْسير: أنَّه إذا كانت الآيةُ تَحْمِلُ مَعْنيينِ لا يتنافيان تُحْمَلُ عليهما جميعًا.
وقوله:{مَا شِئْتُمْ} يعني الذي شئتم.
وقوله:{مِنْ دُونِهِ} أي: مِن سواه، اعبدوا ما تشاؤون مِن سواه، مَلِك، وَلِي، شَجَر، حجر، شمس، قمر؛ أي أَحَد تعبدونه، فلا يُهِمُّني، وأنا سوف أبقى مُخْلِصًا لله، وأنتم اعبدوا ما شئتم.
يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{مِنْ دُونِهِ} غَيْره] أي: غير سواه [فيه تهديدٌ لهم، وإيذانٌ بأنَّهُم لا يعبدون الله تعالى]: [إيذان] يعني إعلان؛ أي: إنَّ هذه الجملةَ فيها تهديدٌ، وفيها أنَّهُم لا يعبدون الله وإنما يَعْبُدون غيره.
وقوله:{قُلْ} يعني: قل لهم مع تهديدك إيَّاهم: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} والجملة فيها تأكيدٌ وفيها حَصْر؛ فالتَّأكيد:{إِنَّ الْخَاسِرِينَ}، والحصر أنَّ طَرَفَيِ الجملة مَعْرِفتانِ:{الْخَاسِرِينَ}{الَّذِينَ خَسِرُوا}، فكأنه قال: إنَّ الخاسرينَ هم الذين خسِروا أنْفُسَهم وأهليهم يوم القيامة.
وقوله:{إِنَّ الْخَاسِرِينَ} الخاسِرُ بيَّنَه الله عَزَّ وَجَلَّ في قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: ٢، ٣] يعني: الخُسران ضِدُّ الربح، وذلك أنَّ المُعامِل إما أن