للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يَذكُر الاحتِمال الذي ذكَرْنا، بل جعَل المُراد بالأحسَن هنا أَحسَنَ ما نزَل لا أحسَنَ ما شُرِع.

وقوله تعالى: {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً}. قوله: {بَغْتَةً} هنا بمَعنَى: مُفاجِئًا، ويُحتَمَل أن تَكون مَصدَرًا مُبيِّنًا للنوع، أي: أن يَأتِيَكم الإتيان بَغْتةً، ويُحتَمَل أن تَكون مَصدَرًا بمَعنَى: في مَوضِع الحال. أي: مُباغِتًا، والمُراد: المُفاجأة، يَأتيكم العَذاب مُفاجَأةً.

في الآية الأولى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} أمَّا هنا فقال تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً} أي: مُفاجأة، {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} أنه يَأتيكم العَذاب، وهذا كقوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف: ٩٧, ٩٨]، فالنائِم لا يَشعُر بالعَذاب إلَّا بَغْتة، والذي يَلعَب كذلك لا يَشعُر بالعَذاب إلى بَغتة.

وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} أي: لا تَحتَسِبون أن يَقَع بكمُ العذاب؛ لأنكم غافِلون، وليس عِندكم شُعور، وهذا كقوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: ٩٧ - ٩٩]، والغالِب أن مَنِ انهَمَك بالمَعاصي نَسِيَ الخالِق ونَسِيَ العَذاب، فيَأتيه العذابُ وهو في أشَدِّ ما يَكون انغِماسًا في المَعاصي والتَّرَف.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: وجوب اتِّباع القُرآن؛ لقوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}.

<<  <   >  >>