مثل أن يَتوب الإنسان مثَلًا من نظَر المَرأة الأجنبية، لكنه لا يَتوب من غَمْز المَرأة الأجنبية، فالتَّوْبة الأُولى لا تُقبَل؛ لأنه لم يَتُبْ من الذَّنْب الذي هو من جِنْس ذَنْبه، وكذلك إذا تاب الإنسان مثلًا من رِبا النَّسيئة، ولكنه رابَى رِبَا الفَضْل، فهذه توبة غيرُ نَصوحٍ.
ولهذا نَقول: مَن تاب إلى الله تَوْبةً نَصوحًا فإنه مَقبول التوبة، ومَنِ اختَلَّ فيه النُّصْح فليس مَقبولَ التوبة.
وقوله تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} هذه الجُملةُ مَوْقعها ممَّا قَبْلَها أنها تعليلٌ للنَّهيِ عن القُنوط، يَعنِي: لا تَقنَطوا فإن الله تعالى يَغفِر الذنوب جميعًا إذا استَغفَرْتُموه، وقوله تعالى:{إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} تعليلٌ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}، وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} تعليل لقوله تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} فهو تَعليلٌ لتَعليلٍ.
[من فوائد الآية الكريمة]
الْفَائِدَة الأُولَى: وُجوب إبلاغَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الله تعالى هذا القولَ، ويُؤخَذ ذلك من قوله تعالى:{قُلْ}؛ لأن الأصل في الأَمْر: الوجوب، لا سيَّما وأن هذا إبلاغٌ للرِّسالة، وإبلاغ الرسالة واجِبٌ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: عِناية الله عَزَّ وَجَلَّ بهذا الأَمرِ، أي: بإبلاغ عِباده أنه يَغفِر الذُّنوب جميعًا، حيث أمَرَ نَبيَّه أمرًا خاصًّا بأن يُبلِغ الناس بالإِسلام، بأن يُبلِغ الناس هذه القَضيةَ، فالقُرآن كلُّه أُمِرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُبلِغه؛ لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}[المائدة: ٦٧]، لكن هناك أشياءُ خاصَّة يَنُصُّ الله تعالى عليها أن يُبلِغها،