لم يَتُبْ منها, لكن إذا تاب من الشِّرْك ولم يُصِرَّ على المَعاصي الأُخرى، ولم تَطرَأ له على بالٍ فإن جميعَ ذُنوبه تُغفَر.
فالتائِبُ من الشِّرْك في الحقيقة له ثلاث حالات:
١ - إمَّا أن يَستَحضِر أنه تاب من الشِّرْك ومن جميع المَعاصي التي كان يَعلَمها، فهذا لا شكَّ في أن تَوبَتَه تَعُمُّ كلَّ ذَنْب.
٢ - وإمَّا أن يَتوب من الشِّرْك مع الإصرار على بعض المَعاصي التي كان يَفعَلها في حال الشِّرْك، فهنا لا تُغفَر له هذه المَعاصي التي أَصَرَّ عليها؛ لأنه استَمَرَّ فيها مثل أن يَكون مُعتادًا لشُرْب الخَمْر في حال كُفْره فيُسلِم وهو مُصِرٌّ على شرب الخَمْر، فإنه لا يُغفَر له ما قد سلَفَ من الذُّنوب؛ قال تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨].
٣ - وإمَّا أن يَتوب من الشِّرْك ولم يَطرَأ على باله بَقية المَعاصي، لكنه لم يَفعَلها بعد إسلامه، يُغفَر له جميع الذُّنوب؛ لأنها تَندَمِج الصِّغار بالكِبار فيُغفَر له جميع الذُّنوب.
فإن قال قائِل: هل يَجزِم الإنسان إذا تاب من الذَّنْب أن الله عَزَّ وَجَلَّ تاب عليه؟
فالجَوابُ: نعَمْ، إذا تُبتَ توبةً نَصوحًا، فإن الله تعالى يَقبَلها, لكن مَن الذي يَقول: إن تَوبته نَصوحًا، فالمُشكِل الذي يَكون من فِعْل العَبْد لا من فِعْل الربِّ، فالربُّ إذا وقَع فِعْل العَبْد على ما يَرْضاه حصَل مَوعودُه؛ لأن الله تعالى لا يُخلِف المِيعاد، لكن الذي يَكون محَلَّ إشكال هو فِعْل العَبْد، هل هذه التَّوْبةُ توبة نَصوح على حسَب ما رُسِم في الشَّرْع؟ فنحن نَجزِم، لكن قد يَكون في قلب الإنسان بِلاء، فقد يَكون عنده شيءٌ من الرِّياء، أو يَكون عنده شيءٌ من المَنِّ على الله عَزَّ وَجَلَّ، وغير ذلك من الأسباب، فحينئذ تَكون التَّوْبة غيرَ نَصوح.