{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}، وهذا هو الواقِع، وهذا هو ما تَدُلُّ عليه الآية، ولكِنَّ هذه الدَّلالةَ ربما يُعارِضها بعض الآيات في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: ٦١، ٦٢]، وقوله تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}[السجدة: ١١]، فنَجِد أنه في آية الزُّمَر أَضاف الوفاة إلى نَفْسه عَزَّ وَجَلَّ، وفي آية السَّجْدة إلى مَلَك المَوْت، وفي سورة الأنعام إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}؛ فكيف نَجمَع بين هذه الآياتِ؟
فالجَوابُ على ذلك أن نَقول: يَجِب أن نَعلَم قاعِدة مُهِمَّة جِدًّا هو أنه لا يُمكِن أن يَتَعارَض دَليلانِ قَطعِيَّان أبدًا، لا من القُرآن ولا من السُّنَّة ولا من العَقْل أبَدًا؛ لأنهما لو تَعارَضا لكان أحدُهما ثابِتًا والآخَرُ مُنتَفيًا، وإذا قُلنا: الآخَرُ مُنتَفٍ زال عنه اسمُ القَطْعيِّ.
وهذه القاعِدةُ تُفيدك في مَسائِلَ كثيرةٍ؛ فمثَلًا لو قال لك قائِل: القرآن يَدُلُّ على كذا، ثُم ثبَتَ حِسًّا أن الأمر الواقِعَ على خِلاف هذا المَدلولِ، فالأمر الحِسِّيُّ تَكذيبه غير مُمكِن، لكن نَقول: إن فَهْمك للقرآن هذا خطَأ، فمثَلًا لو قال: ليسَتِ الأرض كُروية؛ لقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}[الغاشية: ٢٠]، واعتِقاد أنها كُروية يُكذِّب هذه، ودَلالة القُرآن قَطعيَّةُ الثُّبوت، وقَطعيُّ الثُّبوت يَعنِي: ثابِت قَطْعًا لا إِشكالَ فيه، والله تعالى يَقول:{وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}، وكُروية الأرض حِسًّا ثابِتة قَطْعًا لا شَكَّ فيه وحِسًّا، فمثَلًا الآنَ لو تَقوم طائِرة من مطار جُدَّةَ مُتَّجِهة نحو الغَرْب على خَطًّ مُستَقيم رجَعَت إلى مَطارها لا يَرُدُّها شيء إِذَنْ هي كُروِيَّة لا إشكالَ فيها.