ونَقول الآية لَفْظها قَطعيُّ ثابِت، لكن دَلالتها على أنها سَطحٌ واحِد ليس بصحيح وليست بصَريحة، وإذا لم تَكُن الدَّلالة صريحة فهي غير قَطعية، وحِينئذٍ نَقول: التَّعارُض الآنَ بين مَدلولٍ ظَنِّيٍّ ومَحسوسٍ قَطعيٍّ، فالمَدلول الظَّنِّيُّ أن الآية تَدُلُّ على أن الأرض سَطحٌ واحِد، والمَحسوس القَطعيُّ أن الأرض كُروية، نَقول: الحَمْد لله تعالى التَّعارُض الآنَ بين ظَنِّيٍّ وقَطْعيٍّ، وإذا تَعارَض ظَنِّيٌّ وقَطْعيٌّ يُقدَّم القَطعيُّ، ونَقول: سَطْح الأرض باعتِبار القِطعة المُواجِهة أو الجانِب المُواجِه من الأرض سَطْح، لكن على البُعْد يَكون فيه انحِناءٌ.
والدَّليل على ذلك: أنه لو كانت سَفينة تَسير في البحر ولها أَعمِدة طويلة إذا أَبعَدَتْ عنك كلَّما أَبعَدَتِ اختَفَت غابَت أكثر؛ لأن الأرض مُستَديرة فتَغيب، ولو كانت سَطْحًا لكُنتَ تَراها، فتَراها من بُعْد كما تَراها من قُرب على السَّطْح، والأمر ظاهِر ليس فيه إشكال.
والخُلاصةُ الآنَ: أنه لا يُمكِن أن يَتَعارَض دَليلانِ قَطْعيَّان في الثُّبوت والدَّلالة، ولا يُمكِن أن يَتَعارَض قَطعيٌّ وظَنِّيٌّ؛ ومِثال ذلك: كم يَبقَى الناس في بُطون أُمَّهاتهم؟ الإجابة ستكون: تِسعة أَشهُر؛ فإذا قُلْت: أَعطوني تِسعَ دقائِقَ. فهل يُمكِن؟ لا يُمكِن؛ لأن الظَّنِّيَّ لا يُقاوِم القَطعيَّ، وإذا لم يُقاوِمه سقَط، فلا مُعارَضةَ، فيَبقَى الآنَ التَّعارُض بين الظَّنِّيَّيْن فقط، وإذا وُجِد تَعارُض بين ظَنِّيَّيْن حينئذٍ أَطلُب الترجيح، أو إذا كان النَّسْخ يُمكِن فأَعمَلُ بالنَّسْخ.
وهذه القاعِدةُ ذكَرها شيخُ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ في كِتابه العظيمِ (درء تَعارُض العقل والنقل)(١)، وهذا الكِتاب أَثنَى عليه ابنُ القيِّم رَحِمَهُ اللهُ في النُّونية، فقال رَحِمَهُ اللهُ: