للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَهُ كِتَابُ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ الَّذِي ... مَا فِي الْوُجُودِ لَهُ نَظِيرٌ ثَانِي (١)

يَعنِي: ممَّا يَرُدُّ به على الفلاسِفة هذا الكتابُ، وقد ذكَر فيه هذه القاعِدةَ المُفيدةَ، وهي أن التَّعارُض بين قَطعيَّيْن مُحال؛ لأنه لو حصَل التَّعارُض لكان أحدُهما غيرَ قطعيٍّ، وهذا لا يُمكِن؛ أمَّا التَّعارُض بين القَطعيِّ والظَّنيِّ فوارِد، لكن بلا مُقاوَمةٍ، يَعنِي: أن نُسقِط التَّعارُض، ونَقول: الحُكْم للقَطْعيِّ، أمَّا التَّعارُض بين الظَّنِّيَّيْن فواقِع، ويَجِب النظَر إليه والعمَل بالترجيح، أو العمَل بالنَّسْخ إذا كان ممَّا يُمكِن نَسْخه.

وبعد فهذه خُلاصة: الجَمْع بين الوفاة المُضافة إلى الله تعالى والوفاة المُضافة إلى الرُّسُل والمُضافة إلى مَلَك الموت، وكما قُلنا: لا تَعارُضَ، فالدَّلالة تَختَلِف، ففي هذه الآياتُ في سورة الزُّمَر أَضاف الله تعالى الوفاة إليه؛ لأنها بأَمْره، وقد يُضاف الشيء إلى آخَرَ؛ لوقوعه بأَمْره، كما تَقول: بنَى المَلِك قَصرًا. فهلِ المَلِك رأَيْته يَعمَل بأَيديه الأسمنت والرَّمْل ويَقول: (يا ولدُ هاتِ (الزِّنبيلَ) (٢)، وهات كذا، وهات كذا)؟ الجَوابُ: لا، ولكنه أَمَرَ، ومنه المثَل المَشهور في البلاغة: (بنَى عمرُو بن العاصِ مَدينة الفِسطاط) وهي تَقَع في مِصرَ، فهل عمرُو بنُ العاص - رضي الله عنه - بناها بيَده؟ الجَوابُ: لا، بل أمَرَ، إِذَنْ فإضافة الوفاة إلى الله تعالى؛ لأنها بأَمْره إضافة.

وبَقِيَ عندنا الآنَ: إضافتها إلى ملَكِ الموت وإلى الرُّسُل فكيف الجَمْع؟

والجَمْع أن نَقول:

١ - إمَّا أن الرُّسُل يُراد بها الجِنْس {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: ٦١] يَعنِي: ملَك الموت؛


(١) النونية (ص ٢٣٠).
(٢) وهو ما يُعمل من الخوص وغيره يحمل فيه التمر وغيره.

<<  <   >  >>