للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن ملَك الموت رَسولٌ، ومنه الحديث: "يُوشِكَ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ" (١).

٢ - أو نَقول: إن وفاة ملَك الموت غير وفاة الرُّسُل، وذلك لما جاء في الحديث من أن ملَك الموت يَجلِس إلى المُحتَضَر ويَأمُر رُوحه أن تَخرُج، فيَأخُذها بيَدِه، ثُم يُسلِمها فورًا إلى المَلائِكة الذين نزَلوا من السماء معَهم الحَنوط والكفَن المُناسِب لها إن كانت مُؤمِنة - وأَسأَل الله تعالى أن يَجعَل رُوحي وأَرْواحَكم مُؤمِنة -، فإنها تُجعَل في الكفَن الذي من الجَنَّة والحَنوط الذي من الجَنَّة، وإن كانتِ الأُخرى فكَفَنٌ من نار وحَنوطٌ من نار (٢)، نَعوذ بالله تعالى من ذلك؛ فهذا الكفَنُ والصعود بها إلى السماء تَتَولَّاه الملائِكة؛ ولهذا قال تعالى: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: ٦١، ٦٢]، تَحمِلها إلى الله عَزَّ وَجَلَّ إن كانت مُؤمِنة تَجاوَز بها السمواتِ إلى الله تعالى؛ لأن الله تعالى غاية نَفْس المُؤمِن في الحياة وبعد الممات، والمُؤمِن - قَلْبه ونَفْسه - مُعلَّقٌ بالله عَزَّ وَجَلَّ، دائِمًا يَنظُر إلى الله عَزَّ وَجَلَّ بعَيْن البَصيرة، إن قام فبالله ولله وفي الله، وإن قعَد فبالله ولله وفي الله، وكذلك إن ذهَب وجاء فهو لله وبالله وفي الله.

والتَّفريق بين هذه الكلِماتِ الثلاثة (فهو لله وبالله وفي الله) سَهْل وهو أن لله أي: لأَجْل الله عَزَّ وَجَلَّ، وهو الإخلاص، وبالله يَعنِي: بعَوْن الله، وهي الاستِعانة، وفي الله أي: في سبيل الله، أي: في شَرْعه وحُكْمه كذا، وانظُرْ إلى الفاتِحة تَضمَّنَتِ الثلاثَ بالتَّسلسُل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فهذا لله إخلاص، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} بالله، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} في الله، ففي الشَّرْع أن نَكون في الصِّراط المُستَقيم.


(١) أخرجه مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، رقم (٢٤٠٨)، من حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٢٨٧)، من حديث البراء - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>