للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خطَأ؛ لأننا لو فسَّرْنا الآية بما فسَّرها به المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ لزِم من ذلك تَشتيت في الضمائِر، وعدَم انسِجام الكلام؛ فقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} هذه مَعطوفة على الجُملة التي هي صِلة المَوْصول، وإذا كانت مَعطوفةً على الجُمْلة التي هي صِلة المَوْصول لزِم أن يَكون المُتَّصِف بها المَوْصول ما دامَت مَعطوفة على الصِّلة فهي من جُملة الصِّلة، والصِّلة وَصْفٌ للمَوْصول.

والمُفَسِّر رحمه الله وعفا عنه شتَّتَ الضمائِر، فجعَل الضمير الأوَّل للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والضميرَ الثانيَ للمُؤمِنين، والحَقُّ أنهما يَرجِعان إلى شيء واحِد وهو المَوْصول؛ لأن صِلة المَوْصول صِفةٌ له، والمعطوف على الصِّلة صِفةٌ له أيضًا.

إِذَنْ: {وَصَدَّقَ بِهِ} يَشمَل كلَّ أحَد، حتى النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صدَّق بأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يَقول أحيانًا: "أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ" (١)، فقد صدَّق بأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما أُنزِل إليه من ربِّه هو الحقُّ، وأوَّلُ مَن يَدخُل في هذه الآيةِ بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبو بكرٍ الصَّدِّيق - رضي الله عنه -، فإن أبا بَكرٍ الصَّدِّيق - رضي الله عنه - جاء بالصِّدْق - رضي الله عنه -، وصَدَّق به حتى إنه في أَضيقِ حالٍ للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ليلةَ الإسراء حينما أَشاعَت قريشٌ بأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كذَب وصار يُخرِّف ويَقول ما لا يُمكِن، فلمَّا بلَغه الخبَرُ قال: "إن كان قد قال ذلك فهو صادِقٌ"، فمِن ذلك اليومِ سُمِّيَ بـ (الصَّدِّيق) (٢) - رضي الله عنه -.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [فهُمُ المُؤمِنون، فالذي بمَعنَى الذين]، يَعنِي: أنها اسمٌ مُفرَد، لكن بمَعنَى الجَمْع؛ لكونها دالَّة على العُموم.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة، رقم (٢٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: سيرة ابن هشام (١/ ٣٩٩).

<<  <   >  >>