مَعانيَ كثيرةً، وإيجاز حَذْف بأن يُحذَف من الكلام ما يَدُلُّ عليه السِّياقُ، وكلاهما فصيحٌ عرَبيٌّ.
فقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩] هذا إيجازُ قَصْر، وقوله تعالى:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء: ١٢٣] هذا إيجازُ قَصْر؛ لأنك لو أَرَدْت أن تَبسُط هذه الجُملةَ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا} وتَذكُر أنواع السُّوء وتَذكُر أنواع المُجازاة؛ لكان الكلام طويلًا، لكنه اقتَصَر على هاتين الكلِمَتَيْن:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}، وهُما تَشمَلان كلَّ ما يُمكِن أن يَدخُل في هذه الجُملةِ من التَّفاصيل.
إِذَنْ: على كلام المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [فبادِروا قَبْلَ {أَنْ تَقُولَ}]، نَقول: هذا من باب إيجاز الحَذْف؛ لأنه حُذِف من الكلام ما يَدُلُّ عليه السِّياق، ويُمكِن أن نُقدِّر ما هو دون ذلك بأن نَقول: خَشية أن تَقول نَفْسٌ، يَعنِي: اتَّبِعوا ما أُنزِل إليكم من ربِّكم خَشيةَ أن تَقول نَفْسٌ يا حَسْرتا على ما فرَّطْتُ في جَنْب الله؛ أو:(قَبْلَ {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ})؛ لأنه أقلُّ تقديرًا، وكلَّما كان أقلَّ تَقديرًّا فهو أَوْلى.
وهذا الذي ذكَرْناه أقصَرُ من كلام المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ.
وقوله تعالى:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا}: {نَفْسٌ} هنا نكرة في سِياق الإثبات، والنكِرة في سِياق الإثبات لا تَدُلُّ على العُموم، وإنما تَدُلُّ على العُموم إذا كانت في سِياق النفيِ أو الشَّرْط أو الاستِفْهام الإنكارِيِّ أو ما أَشبَه ذلك ممَّا ذكَرَه العُلَماءُ رَحِمَهُم اللهُ، لكنهم قالوا: إن {نَفْسٌ} هنا نَكِرة يُراد بها العُموم، يَعنِي: أن تَقول كلُّ نَفْس فرَّطَتْ.
قال رَحِمَهُ اللهُ: [{يَاحَسْرَتَا} أَصلُه: يا حَسرَتِي، أي: نَدامَتي، فالحَسْرة هي النَّدامة]، قوله تعالى:{يَاحَسْرَتَا} الألِف هذه مُنقَلِبة عن ياء؛ لأنها للنُّدْبة، وأصلُها