الفَصْل، لكن يَبقَى البَعْث؛ قال تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: ١٣، ١٤].
فالأَمثال قد لا تَكون مُطابِقة تَمامًا، فقد يَكون مَورِد المثَل أَسرَعَ من المثَل لكن يُذكَر على سَبيل التَّقريب، ولا شَكَّ أن عِبادة الله عَزَّ وَجَلَّ وحدَه وعِبادة غيره معه بينهما فرقٌ أعظَمُ من الفَرْق بين الرجُل السالِم للرَّجُل والرجُل المُشتَرَك بين شُركاءَ مُتَشاكِسين.
يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[هذا مثَل للمُشرِك والثاني مثَل للمُوحِّد] والمُراد بالثاني (رجُلًا سالِمًا لرجُل) هذا للمُوحِّد والأوَّل للمُشرِك؛ والمَقصود من ضَرْب هذا المثَلِ هنا: التَّحذير من الشِّرْك بالله عَزَّ وَجَلَّ.
ثُم اعلَمْ أن الشُّرَكاء في العَبْد مُتَشاكِسون، لكن مع الله عَزَّ وَجَلَّ يَقول الله تعالى في الحَديث القُدسيِّ:"أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ"(١)؛ لأن الشُّرَكاء المُتَشاكِسين لا يُمكِن أن يَتَنازَل أحَدُهم عن نَصيبه، لكن الشِّرْك بالله تعالى يَدَع اللهُ تعالى المُشرِكَ وشِرْكَه:"مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ".
ولهذا قال: [{الْحَمْدُ لِلَّهِ} وحدَهُ]، وإذا كان الحَمْد له وحدَه وجَبَ أن تَكون العِبادة له وحدَهُ؛ لأنه أَهْل الحَمْد وأهل العِبادة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو وحدَه المُستَحِقُّ لأن يُعبَد.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{بَلْ أَكْثَرُهُمْ} أي: أهل مَكَّةَ {لَا يَعْلَمُونَ} ما يَصيرون
(١) أخرجه مسلم: كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم (٢٩٨٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.