للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو على مِلَّة عبد المُطلِّب (١). ولكن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لحُسْن أَخلاقه؛ ولأن عمَّه قام قِيامًا نصَر به الإسلام شفَع له عند الله تعالى، فكان في ضَحضاحٍ من نارٍ، وعليه نَعْلان من نارٍ يَغلِي منهما دِماغه (٢) أعلى ما فيه، والنِّعال في أسفَل ما فيه والدِّماغ يَغِلي؛ فما بالُك بما دونَه من الجِسْم فإنه أشَدُّ غليانًا، وإنه لأَهوَن أهل النار عذابًا، ويُرَى أنه أَشَدُّهم عَذابًا (٣)، ولماذا يُريه الله تعالى أنه أشَدُّهم عذابًا؟ لئِلَّا يَتَسلَّى بغيره؛ لأن صاحِب النار لو عَلِم أن غيرَه أشَدُّ منه أو مثلُه لتَسلَّى وهانَ عليه الأمرُ، وقد أَشار الله تعالى إلى ذلك في قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: ٣٩]، مع أنكم لوِ اشتَرَكْتم في العذاب في الدنيا لهان عليكم.

فإن قال قائِل: إن أبا طالِب يَرَى نَفْسه أنه أشَدُّ الناس عذابًا؛ لأنه لو رأَى أنه أَقلُّهم يَعنِي: يَتَسلَّى به، فهل هذا يَعنِي أنه ما عَلِم بشَفاعة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - له أنه في هذا الضَّحضاح أم علِم، ولكنه يَرَى أنه أشَدُّ الناس.

قُلْنا: الظاهِر سواء أن علِم أو ما علِم هو يَرَى أنه أشَدُّ الناس، وكونه اللهُ تعالى أَعلَمه أنه كان يَستَحِقُّ الدَّرْك الأَسْفل من النار، ولكن له شَفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد يَكون اللهُ تعالى أَعلَمه بهذا؛ ليُعلِمه أن الله تعالى قد جازاه وكافَأَه على ما صنَع بالرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وقد لا يَكون، والله تعالى أَعلَمُ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب التفسير، باب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، رقم (٤٧٧٢)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، رقم (٢٤)، من حديث المسيب بن حزن - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم (٦٥٦٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب، رقم (٢١٠)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب أهون أهل النار عذابا، رقم (٢١٣)، من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>