ومَنْ) فالهَمْزة للاستِفْهام، والفاء عاطِفة، و (مَن) يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ عنها: إنها [شَرْطية]. ويَقول آخَرون: إنها مَوْصولة، ويَكون مَعناها حينئذٍ:(أَفالَّذي حَقَّ عليه كلِمة العذاب).
فإن قيل: إن حديث: "خَيَارُكُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ"(١) قد يُخالِف هذه الآيةَ في المَعنَى؟
قُلنا: لا، لأن مَعنَى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيَارُكُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ" أن العرَب كانوا قبائِلَ، وبعض القبائِل أشرَفُ من بعضٍ، فقال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من كان له حسَبٌ وشَرَف في الجاهِلية، فهذا حسَبُه وشرَفُه له إذا فَقِه في دِين الله تعالى.
والرجُل الذَّكيُّ لا يَنطَبِق عليه هذا الحديثُ؛ لأن كونَه ذكيًّا، ثُم يَكون عاقِلًا قد يُحمَد وقد لا يُحمَد، ولاحِظْ أنه أحيانًا قد يَكون الذَّكاء المُفرِط سببًا للضلال - والعِياذُ بالله -؛ لأن الرجُل الذَّكيَّ يُورِد على نفسه أشياءَ، ويَفتَح على نفسه أشياءَ مثل: لو كان كذا لكان كذا، ولو كان غافِلًا عن هذا لكان أحسَنَ له؛ ولهذا ما ضَرَّ أصحابَ الكلام والمَنطِق والفلاسِفة إلَّا حِدَّةُ ذَكائِهم، لكن السليم هو الذي يَستَمِرُّ، وقد تَمنَّى بعض أهل الكَلام أن يَموت على دِين عجائِزِ نَيْسابورَ.
وفي قوله تعالى:{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} الهمزة هنا كما بيَّنَّا للاستِفهام، ويُحتَمَل أن يَكون المُرادُ به الاستِفْهامَ الحقيقيَّ، أو أن المُراد به الإنكار، ويَتبَيَّن ذلك من تفسيرها.
(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ} الآية، رقم (٣٣٧٤)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف عليه السلام، رقم (٢٣٧٨)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.