فهذه الغُرَفُ التي أَعدَّها الله تعالى للمُتَّقين الذين أَخلَصوا النِّيَّة لله تعالى رجاءَ الوُصول إلى ثوابه، ولا يَفعَلون طاعة إلَّا وهُمْ يُؤمِنون بأنَّ لها ثوابًا في هذه الجَنَّةِ؛ لأن هذه العَقيدةِ يَحمِلك على إحسان العِبادة، فإذا علِمْت أنه ما من عِبادة تَقوم بها إلَّا من أَجْل الحُصول على هذا الثوابِ سَوْف تَحرِص على العمَل، وتُتقِن العمَل.
وقوله تعالى:{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: من تَحْت هذه الغُرَفِ العُليا وما تَحتَها.
و {الْأَنْهَارُ} جمع نهْر أو نهَر؛ لأن نهر أو نهر من الكلمات الثلاثية التي ثانيها حرفُ حَلْق؛ ومثلها بحر، فيَجوز فيها تَسكين الحَرْف الثاني وفَتْحُه، تَقول:
و {الْأَنْهَارُ} جمع نَهْر أو نهَر؛ لأن الكلِماتِ الثلاثيةَ التي ثانيها حَرْف حَلْق مثل كلمة نَهْر وبَحْر يَجوز فيها تَسكين الحَرْف الثاني وفَتْحُه، تَقول: نَهَر ونَهْر وبَحْر وبَحَر، فهنا نَقول: أنهار جَمْع: نَهْر، وهي أربعة أنواع بيَّنها الله تعالى في سورة القِتال، فقال:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}[محمد: ١٥]؛ فهذه أربعةُ أنواعٍ.
فمِن نِعَم الله تعالى {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}، يَعنِي: غير قابل لأَنْ يَكون آسِنًا، والآسٍ هو المُتغيِّر، وأنتم تَعلَمون أن الماء إذا بَقِيَ في الإناء مُدَّة أو في مَقرِّه في البِئْر مُدَّة يَتغيَّر.
ومِن نِعَم الله تعالى أنها أنهار لا تُحلَب من الضُّروع، ولا تَأتِي من نَحْل؛ أنهار