للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وربما يَقول: أنا لا أُصلِّي لك! دَعْني! وبعض الناس إذا أَمَرْته وذكَّرْته فرِحَ وانشَرَح صَدْره، وقد بيَّن الله تعالى في سورة الأنعام صورةً مُقرَّبة لهذا المَعنَى فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} يَعنِي: شديد الضيق {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: ١٢٥] يَعنِي: كأنه إذا عُرِض عليه الإسلام يَصعَّد في السماء، أي: يَتكَلَّف الصعود.

وقدِ اختَلَف العُلَماء رَحِمَهُم اللهُ في مَعنَى {يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} هل مَعناه: ما اشتُهِر الآنَ من أن الإنسان كُلَّما ارتَفَع في الجوِّ كثُر عليه الضَّغْط، أو أن المَعنى: يَصعَد جَبَلًا عاليًا شامِخًا يَتعَب في رُقيِّه، فالمُفسِّرون السابِقون لا شَكَّ أنهم لا يَعرِفون عن مَسأَلة الضَّغْط، والمُتأخِّرون يَعرِفونه، والله عَزَّ وَجَلَّ يَعلَم هذا وهذا، والآية صالِحةٌ للأَمْرين؛ لأنك لو تَصوَّرت جبَلًا صَعْبَ الرُّقيِّ، وعاليًا يَعنِي: في السماء، مَعناه: عالٍ، وصَعِده الإنسان يَتكلَّف لا سيَّما إن كان عنده ضَغْط يَتعَب جِدًّا، وإذا قُلْنا: إن المُراد بذلك أن الإنسان يَصعَد في السماء فوق الغِلاف الجَويِّ فهو ظاهِر أيضًا.

قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} من عَلامة شَرْح الصَّدْر: قَبول الخبَر، وتَصديقه، وقَبول الأمر وامتِثاله، وقَبول النهيِ واجتِنابه، أي: لا يَكون عنده تَردُّد فهذا لا شَكَّ أنه كما قال تعالى: {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: فاهتَدى فهو على نور فأَفادَنا المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أن في الآية حَذْفًا، تَقديره: فاهتَدَى، ويُؤيِّده: {فَهُوَ عَلَى نُورٍ}، لكن الواقِع: أنه لا حاجةَ لهذا التَّقديرِ؛ لأن قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} أَيْ: بمُجرَّد أن يَشرَح الله تعالى صَدْره للإسلام يَصير على نور، وهو إذا شرَحَ الله تعالى صَدْره للإسلام فهو سيَهتَدي قَطْعًا.

<<  <   >  >>