للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي: لو كانوا أي: المُكذِّبون يَعلَمون عذابَها ما كذَّبوا، فقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: (ما كذَّبوا) هو جَواب (لو) المَحذوفة.

ثُمَّ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.

قوله تعالى: {ضَرَبْنَا} يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [جعَلنا]، ولعلَّ الضَّرْب أخَصُّ من الجَعْل، وهذا التَّفسيرُ تَفسيرٌ بما هو أعَمُّ؛ لأن ضَرْب المثَل ليس مُجرَّدَ جَعْلٍ له، بل ضَرْب المثَل للاعتِبار به، فضرَبْته مثَلًا أي: جعَلْته شبَهًا حتى يَعتَبِر به؛ فقوله: {ضَرَبْنَا} أي: بيَّنَّا {لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}، والجُملة هنا مُؤكَّدة بمُؤكِّداتٍ ثلاثة: وهي اللَّام، و (قد)، والقسَم المُقدَّر؛ لأن تَأكيد الكلام في مثل هذا التركيبِ: (واللهِ لقَدْ) فيَكون مُؤكَّدًا بمُؤكِّداتٍ ثلاثة.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ} إذا قال قائِل: كيف يُؤكَّد هذا وهو أَمْرٌ مَعلوم، والغالِب أن التأكيد إنما يُصار إليه للحاجة إليه؟

فالجَوابُ: أن التَّأكيد قد يَكون للحاجة إليه عندما يَكون المُخاطَب شاكًّا أو مُنكِرًا، وقد يَكون التَّأكيد لأهمية المُؤكَّد وإن لم يَكُن ثَمَّة إنكار أو تَردُّد، ومنه هذه الآيةُ فإن ضَرْب الله تعالى الأَمْثال للناس في القُرآن أَمْرٌ مَحسوس مُدرَك، ولكن لأَهَمِّيته أكَّده الله عَزَّ وَجَلَّ: {لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أي: من كل شَبَه، فيَضرِب الله تعالى الأشباه والنظائِر ليَحذَر مَن كان على مِثْل هذا النَّظيرِ وهذا الشبيهِ حتى لا يَقوم بمِثْل ما فعَل.

وقوله تعالى: {لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} يَشمَل كل الناس المُؤمِن والكافِر؛ لأَجْل أن يَتذكَّر هؤلاء وهؤلاء.

<<  <   >  >>