ثُمَّ قال تعالى:{وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: هنا الخِطاب [للنبيِّ]- صلى الله عليه وسلم - {وَيُخَوِّفُونَكَ} وعَطَف (يُخوِّفونك) الخاصَّ بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يَقتَضي تَخصيص اللَّفْظ العامِّ قبلَه، وقد تَقدَّم مثلُ هذا كثيرًا؛ يُذكَر لفظٌ عامٌّ، ثُمَّ يُذكَر حُكْم يَختَصُّ ببعض أفراده.
قُلنا: إن هذا لا يَقتَضي التخصيص، ومن ذلك حديث:"قضَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالشُّفْعةِ في كُلِّ ما لَمْ يُقسَمْ"(١)، فكونه قَضَى في كُلِّ ما لم يُقسَم، في كل الذي لم يُقسَم عامٌّ، (فإذا وقَعَتِ الحُدودُ وصُرِفت الطُّرُق فلا شُفعةَ)، هذا حُكْم يَختَصُّ ببعض أحكام العامِّ بالأراضي، فهنا نَقول: إن الأوَّل عامٌّ، وذِكْر بعض أفراد العامِّ وذِكْر حُكمٍ يَختَصُّ ببعض أفراد العامِّ لا يَقتَضي التخصيص.
ومثله أيضًا في القُرآن:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} إلى أن قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} فالمُطلَّقات عامٌّ، وبُعولتُهن حُكْمٌ يَختَصُّ ببعض أفراد هذا العامِّ، أمَّا الفَرْد الذي يَختَصُّ به فإنه (الرَّجعية)؛ ونَقول: إن قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} هذا عامٌّ، فالمَعروف عند أهل العِلْم رَحِمَهُم اللهُ أنه عامٌّ، المُطلَّقات اللاتي طُلِّقن بطلاقٍ بائِن أو بطلاقٍ رَجْعيٍّ.
وهنا هذا المِثالُ في القُرآن هل يَنطَبِق عليه أو لا؛ أي: قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}؟
الجَوابُ: يَنطَبِق عليه، فقوله تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} عامٌّ، ولم يَقُلْ: أَلَيْس اللهُ بكافِيكَ ويُخوِّفونك.
(١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب بيع الشريك من شريكه، رقم (٢٢١٣)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب الشفعة، رقم (١٦٠٨)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.