وقوله:{إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} الجملة اسْتِئْنافِيَّة لبيانِ مآلِ هؤلاء الذين اتَّخَذوا الأصنامَ أولياءَ؛ يعني: فماذا تكون نهايَتُهم؟ يقول الله عَزَّ وَجَلَّ:{إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
قوله تعالى:{بَيْنَهُمْ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [وبين المسلمين] فأشار إلى أنَّ الطَّرَف الآخَرَ من البَيْنونة، أو من البَيْنِيَّة على الأَصَحِّ محذوف؛ وبين المسلمين، وهذا التَّقدير ليس في السِّياق ما يدلُّ عليه، لو قال: بينكم، لكان صحيحًا، أنَّ المراد بينكم وبينهم، لكن هو قال:{بَيْنَهُمْ}؛ أي: بين هؤلاء الكُفَّار {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وكأنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ ظنَّ أنه لا اختلاف بين الكُفَّار، وليس كذلك، بل الخلاف بينهم حاصِلٌ في الدنيا وفي الآخرة، قال الله تعالى:{قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ}[الأعراف: ٣٨] إلى آخر الآيات؛ محاوَرَة، منازَعَة، مخاصَمَة؛ فيحكم الله بينهم، وقد ذكر الله ذلك في عِدَّةِ آيات.
فالصَّواب: أنَّ الضميرَ بينهم؛ أي: يعود على الكُفَّار، وأنَّ الخِلافَ أو الاختلاف حاصلٌ بينهم أنْفُسِهم، فالنَّصارى واليهود بينهم خلاف:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ}[البقرة: ١١٣].
وهذا الخلاف ثابتٌ بين الأُمَم الكافِرَة؛ فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما هم فيه يختلفون من أمر الدِّينِ، فيُدْخِل المؤمنين الجنَّة والكافرين النَّارَ، هذا بناءً على ما ذهب إليه المُفَسِّر، ولكِنْ على القول الذي هو ظاهِرُ الآيَةِ الكريمَةِ:{يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فيجعل كلَّ إنسان في منزلته، وقد بيَّن الله عَزَّ وَجَلَّ ذلك في قوله:{وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[سبأ: ٣٣]