من دونه وهي الأصنام، وأُثنِيَ عليها {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}: {إِذَا} هذه فُجائِيَّة أُجِيب بها الشرط؛ لأن الشَّرْط يُقرَن أحيانًا بالفاء، وأحيانًا بـ (إذا)، كقوله تعالى:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}[الروم: ٣٦]، أي: فهُمْ، فجواب الشَّرْط هنا قُرِن بـ (إذا) الفُجائية؛ لأنه جُملةٌ اسمِيَّة.
وتَأمَّل قوله تعالى:{إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} حيث جاءَت بالجُمْلة الاسمِيَّة إشارةً إلى دوام استِبْشارِهم وثُبوته ورُسوخه في أَنفُسهم. وجواب {إِذَا} في قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ}، هو قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ}.
وجَواب قوله تعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} هو قوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} وبَيْن الجُمْلتين رابِط؛ لأن القاعِدة هي إذا كانت جُملة الجواب اسمِيَّة لا بُدَّ فيها من رابِط، والرابِط هنا قوله:(إذا)، وهي الفُجائِيَّة.
ولهذا يُروَى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قرَأَ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: ١٩، ٢٠] تِلك الغَرانيقُ العُلا، وإنَّ شَفاعَتَهُنَّ لتُرْتَجَى. ألقاها الشَّيْطان في قِراءة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَتلُها الرسول عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ، لكن الشيطان أَسمَعَ قُرَيْشًا هذا القولَ، يَقولون: إنهم سجَدوا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لما أَنهَى السورة وسجَد؛ لأنهم قالوا: الآنَ رجَع إلينا، أو على الأقَلِّ داهَنَنا؛ لأنه أَثنَى على أصنامنا فسجَدوا معه، وهذه القِصَّةُ مَشهورة (١).
(١) أخرجها الطبري في تفسيره (١٦/ ٦٠٤ - ٦٠٨) من عدة طرق، وقال ابن كثير في تفسيره (٥/ ٣٨٧): طرقها كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح. وقال الشنقيطي في أضواء البيان (٥/ ٢٨٦): اعلم أن مسألة الغرانيق مع استحالتها شرعًا، ودلالة القرآن على بطلانها لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج، وصرح بعدم ثبوتها خلق كثير من علماء الحديث كما هو الصواب.