والمُجرِمين إذا مرَّ بهم المُؤمِن التَّقيُّ جعَلوا يَضحَكون {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ} أي: إذا مرَّ المُؤمِنون بالمُجرِمين أو المُجرِمون بالمُؤمِنين كِلاهما {يَتَغَامَزُونَ} يَغمِز بعضُهم بعضًا، فانظُرْ إلى هذا المِسكينِ، وانظُرْ إلى ثِيابهم مثَلًا! {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} يَعنِي: يَرجِعون إلى أهلهم فَكهين، أي: مَرِحين مُتفَكِّهين بما قالوا في هؤلاء المُؤمِنين.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} والفاعِل في الفِعْل {رَأَوْهُمْ} المُجرمون، والمَعنَى: إذا رأَى الذين أَجرَموا هؤلاء المُؤمِنين {قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} تائِهون، وهذا هو الواقِعُ حتى في الوقت الحاضِر إذا رأَوُا المُتدَيِّن قال: هذا مُتخَلِّف، هذا رَجْعيٌّ، أو هذا أُصوليٌّ، يَعنِي: مُتشَدِّدًا، وما أَشبَه ذلك.
ثُمَّ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}[المطففين: ٣٤] في يوم القِيامة تَحصُل الضِّحْكة من المُؤمِنين على الكافِرين، وهذه الضِّحكةُ ليس بعدَها بكاءٌ، أمَّا ضِحكة أُولئِك فبعدَها البُكاء والألَمُ والحَسْرة.
وقوله تعالى:{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ}[المطففين: ٣٥] يَنظُرون ما أَنعَم الله تعالى به عليهم، ويَنظُرون ما عذَّب الله تعالى به هؤلاء.
ثُمَّ قال الله تعالى:{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[المطففين: ٣٦]، فهؤلاءِ المُجرِمون يَبدو لهم يوم القِيامة ما كانوا يَستَهزِئون به من شريعة الله تعالى، وجزاء الله تعالى، وما أَشبَه ذلك، وقد كانوا يَسخَرون بالرَّسول عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ وبما وَعَد به من النعيم، وبما وعَدَ به من العذاب، ويَقولون: يا مُحمَّدُ، إن كُنتَ صادِقًا أننا سنَلقَى هذا فلْيَكُن لك أنتَ، ففجِّرِ الأرض يَنابيعَ، واجعَلِ الرِّياض مَزارعَ نَخيلٍ، وما أَشبَه ذلك.